إعلان

حتمية موت هاملت

د. أحمد عمر

حتمية موت هاملت

د. أحمد عبدالعال عمر
07:46 م الأحد 15 أغسطس 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

هل كان يجب أن يموت الأمير الدنماركي الشهير "هاملت"، بطل التراجيديا الشهيرة التي أبدعها خيال الكاتب الإنجليزي العظيم شكسبير؟

هل كان يجب أن يموت هذا الشاب الوديع الشارد دومًا والموزع اللب أبدًا؟

هل كان يجب أن يموت هذا الشاب الحزين الحالم الحائر؟

هل كان يجب أن يموت هذا الإنسان المتأمل الممزق بين اللامبالاة، كطوق نجاة وضرورة الفعل. بين العالم الحقيقي الكائن، والعالم المثالي وما ينبغي أن يكون.

هل كان يجب أن يموت هذا المحتفي بقناع الجنون وكأنه وجه لفيلسوف؟

هل كان يجب أن يموت هذا الذي لم يكف يومًا عن طرح التساؤل المأساوي: "عما إذا كنا نحن مسئولين عن الويلات التي تحل بنا، أم أن هناك إلهًا يرسم لنا مصائرنا؟"

أعتقد أن الأمير هاملت الذي كتبه شكسبير، وهاملت العربي الحديث الذي كتب عنه الراحل نجيب سرور في مسرحيته "أفكار جنونية في دفتر هاملت"، ومعهما هاملت الآخر الذي كتب عنه الراحل ممدوح عدوان في مسرحيته "هاملت يستيقظ متأخرًا" كان حتمًا يجب أن يموت، ليتخلص من إحساسه بالعجز والفشل في إيجاد حلًا لأزمته الشخصية، ولتناقضات الحياة.

فرغم أنه قرأ وفكر وتأمل كثيرًا، وقال أشياء رائعة عن الحياة والموت والمرأة والحب وقدر الإنسان، إلا أنه لم يجد خلاصه، ولا راحة قلبه وعقله، وظل يبحث عن بر أمان ويقين يستريح إليه، وعندما لم يجد ذلك اعتبر في النهاية الحياة قضية خاسرة.

ولهذا أرى أن الأمير هاملت، هذا "الولد الحزين وبيده كتاب"، كان يجب أن يموت ليترك المسرح للأمير "فتنبراس" الوريث الجديد للعرش.

فتنبراس هو الشاب القوي الذي يُجسد السلطة المزهوّة بنفسها، الذي ألقى حال وصوله لكرسي العرش بعد موت هاملت خطابًا قال فيه: "كان هاملت فتى طيبًا، ولكنه مات، أخرجوا هذه الجثث: أنا الآن ملككم".

ودائمًا سيوجد "فتنبراس" بديلًا عن هاملت.

ودائمًا سيخرج الطيبون الودعاء من المدينة.

أولئك الذين لا يكفون عن إثارة الأسئلة لا مكان لهم في المدينة.

أولئك الذين يرفضون السير والعيش مع القطيع لا مكان لهم في المدينة.

أولئك الذين يرفضون الخضوع لكل التصورات الموروثة والموضوعة سلفًا، لا مكان لهم في المدينة؛ أخرجوهم من مدينتكم، إنهم قوم يفكرون ويتساءلون، وهم أحفاد ذلك الدعي المضلل "سقراط" الفيلسوف اليوناني الذي أفسد عقول شباب أثينا، واحتقر آلهة المدينة.

إذن كان يجب أن يموت هاملت ليختفي من الوجود، ويُريح ويستريح.

وأظن أنه ربما وجد في الموت راحة أخيرة، رغم صرخته الشهيرة عند موته التي قال فيها: "أموت أنا ويبقى السفلة كلهم؟!.. هذا ليس عدلًا.. ليس عدلًا".

إعلان