إعلان

تراجيديا أم ملحمة السيسي؟

د. أحمد عمر

تراجيديا أم ملحمة السيسي؟

د. أحمد عبدالعال عمر
06:59 م الخميس 10 يونيو 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

مع المقدمات الأولى لثورة 30 يونيو، وبروز نجم وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي في سماء الوطن، بعد انحياز الجيش إلى مطالب وإرادة الشعب، ونجاحهما معًا في القضاء على حلم جماعة الإخوان في الاستمرار في حكم مصر لخمسمائة عام قادمة، قال كثير من المصريين لأنفسهم:

هذا هو الرجل الذي نريده رئيسًا لمصر، ومؤسسًا لمرحلة جديدة في تاريخها تقوم على المكاشفة والمصارحة والمصالحة بين السلطة والشعب، وتتوزع فيها الحقوق والواجبات بين القيادة والقاعدة، وتُدار فيها البلاد إدارة استراتيجية بعيدة المدى؛ لإنجاز مشروع تنمية وتقدم وطني شامل، وترميم وإصلاح ما تصدع وخُرب في وعي واقتصاد وثقافة وأخلاق المصريين عبر عقود حكم الرئيس الأسبق مبارك.

كان اختيار المشير السيسي لرئاسة مصر بعد انتهاء المرحلة الانتقالية التي قادها القاضي الجليل عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية، خيارًا حتميًا؛ لثقة المصريين الكبيرة في المؤسسة العسكرية الوطنية التي كان يشغل بوصفه وزيرًا للدفاع منصب قائدها العام، ولإيمانهم الراسخ بأن المؤسسة العسكرية كانت عبر التاريخ عمود خيمة هذا الوطن، وطوق نجاته الأخير في مواجهة كافة أشكال التهديدات والمخاطر التي تستهدفه.

ولإيمانهم كذلك بأن المؤسسة العسكرية، هي الأقدر برجالها على العبور بالبلاد من المرحلة الخطرة التي كنا نعيش فيها بعد ثورة 30 يونيو على المستويين الأمني والاقتصادي، والتي لم يكن من الوارد تركها لإدارة الهواة وأصحاب الولاءات والانحيازات الملتبسة.

وبشكل شخصي فقد وجدت من منظور درامي مؤسس على وعي تاريخي، أن ترشح المشير السيسي للرئاسة خيارٌ حتميٌ، حتى يمسك مقاليد الحكم في يده، ويضمن حمايته الشخصية، واستكمال أحلامه لوطنه.

وحتى لا يتحول إلى "بطل تراجيدي" تتآمر عليه الكثير من مراكز القوى الداخلية والإقليمية والدولية، وتجعله يدفع ثمن عمله البطولي في إفشال مخططات إدخال مصر والمنطقة في حالة من الفوضى (الخلاقة)، وتغيير أنظمة حكمها، واستبدالها بإسلاميين موالين لهم.

والبطل التراجيدي هو من جاء قبل أو بعد زمانه، والذي يُجاهد في بطولة نادرة من أجل الإصلاح والتغيير، وإعادة التاريخ ليسير في مجراه الصحيح. لكنه نادرًا ما ينجح في تحقيق هذا الهدف السامي، بسبب كثرة المعوقات الداخلية، والظروف الخارجية غير المواتية، رغم نزاهته الشخصية ونبل وعدالة قضيته وأهدافه.

أما إذا نجح في تحقيق حلمه، بفضل ما يمتلكه من شجاعة ووعي وذكاء ودهاء ومكر سياسي، فيتحول إلى بطل ملحمي وقومي، وأب مؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ بلاده؛ ليُحفر اسمه بحروف من نور في تاريخ ووجدان أمته.

واليوم، بعد مرور سبع سنوات من حكم الرئيس السيسي، أظن أنه نجح بشكل منقطع النظير في عملية الإصلاح والتغيير، وفي إعادة بناء مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية وبنيتها التحتية، ومقدراتها وكفاءتها العسكرية.

كما نجح في تفعيل دور مصر الإقليمي والأفريقي والدولي، وإعادة بناء علاقاتها وتحالفاتها الإقليمية والدولية بما يخدم مصالحها وثوابت أمنها القومي.

وهذا يعني أن ما حدث في السبع سنوات الماضية من حكم الرئيس السيسي، هو ملحمة جديرة بالثناء على أصعدة متعددة، وهي إنجازات تجعل من الرئيس السيسي بطلًا ملحميًا ومؤسسًا لمرحلة جديدة في تاريخ مصر.

ولكن هذا لا يعني أن دواعي القلق والخوف من تحول الرئيس من بطل ملحمي إلى بطل تراجيدي قد تلاشت تمامًا، فلا تزال هناك الكثير من القوى الداخلية والخارجية التي تتوجس من دوره ومشروعه في تنمية مصر وصنع تقدمها اعتمادًا على مُقدراتها الذاتية.

وتتوجس كذلك من استقلالية القرار السياسي المصري في الفترة الأخيرة، وإعادة بناء قوة مصر العسكرية والاقتصادية، ودورها وحضورها في العالم العربي، ومجالها الحيوي، وعمقها الأفريقي.

وهذا يعني أن المعركة المصيرية التي نخوضها في مصر منذ 30 يونيو 2013، لم تنتهِ بعد، بل تغير فقط بعض أطرافها ودوافعها وأساليبها؛ وهذا ما يجب أن ننتبه إليه جيدًا، حتى لا يتكرر معنا السيناريو نفسه، الذي حدث مع "محمد علي، وجمال عبدالناصر"؛ لتوريطهم في حروب خارجية، والحد من طموحهم في البناء والتعمير، وإفشال مشروعهم الإصلاحي والتنموي، وإضعاف مصر اقتصاديًا وإنهاكها عسكريًا، وجعلها على الدوام دولة منقسمة ومستنزفة في الداخل، تدور في مكانها الثابت الذي يقع في المسافة بين الإبحار والغرق.

إعلان