إعلان

هل يمكن المصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين؟

د. أحمد عمر

هل يمكن المصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين؟

د. أحمد عبدالعال عمر
07:00 م الأحد 30 مايو 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لعل أهمَّ مُكتسبات ثورة 25 يناير 2011 هو خروج عدد كبير من الخلايا النائمة لجماعة الإخوان المسلمين في المجتمع ومؤسسات الدولة من طور الخفاء إلى طور الظهور، عبر إعلانهم عن انتمائهم الفكري والتنظيمي للجماعة، وخصوصًا بعد وصول الدكتور محمد مرسي إلى مِقعد الرئاسة، وسيطرة الجماعة على مجلسَي النواب والوزراء.

وقد دفعهم إلى ذلك الخروج العلني ظنُّهم أن زمن التقية والكمون قد ذهب إلى غير عودة، وأن الانتماء للجماعة لم يعد يُشكِّل تهديدًا لمصالحهم وأعمالهم، بل صار مفخرة ومجلبة للمنفعة، ووسيلة للترقي الوظيفي والطبقي، ونيل الكثير من الامتيازات.

وقد مثل هذه الظهور خدمة كبيرة للأجهزة الأمنية التي استطاعت تحديث قاعدة معلوماتها عن أعضاء الجماعة والمنتسبين إليها والمتعاطفين معها، وقياس مدى اختراق الجماعة وأعضائها للمجتمع ومؤسسات الدولة، ومن ثم رصد هؤلاء ومتابعتهم، والتعامل معهم.

أما أهمَّ مُكتسبات ثورة 30 يونيو 2013، فهو إسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين، وبيان تهافُت خطابها ومشروعها، وتناقضه التام مع الثوابت الوطنية والأمنية والثقافية للدولة المصرية.

كما تأكد للجميع بعد ثورة 30 يونيو حجم الجناية التي ارتكبتها قيادات جماعة الإخوان المسلمين في حق الوطن، عندما لم يرضخوا لرغبة الشعب في إنهاء حكمهم، وهي الرغبة التي تمت حمايتها وتأييدها بواسطة الجيش ومؤسسات الدولة.

وبدلًا من أن يعترفوا بأخطائهم، ويُراجعوا أنفسهم، ويمارسوا أكبر قدر من نقد الذات والتجربة، ويعودوا إلى صوابهم، ويحترموا إرادة الشعب ومؤسسات الدولة، ارتكبوا خطيئة أكبر، ودلَّسوا على المنتسبين إليهم والمتعاطفين معهم، وأدخلوهم في "صدام دموي" مع الدولة ومؤسساتها من أجل خلق "حالة كربلائية زائفة" تتغذى على الكراهية ومشاعر العداء للدولة المصرية ومؤسساتها، وتضمن لهم وحدة واستمرار وجود الجماعة.

ورغم ذلك استطاعت الدولة المصرية التصدي لهم وإفشال مخططاتهم، ومواجهة حملاتهم الإعلامية، وضرب تحالفاتهم الخارجية، وتعريتهم الأخلاقية والسياسية في عيون الكثير من المتعاطفين معهم، وأبناء الشعب المصري كافة.

وفي ضوء كل تلك المكتسبات والنجاحات التي حققتها الدولة في مواجهة الجماعة، هناك سؤال يطرح اليوم نفسه على خلفية ما يحدث من متغيرات داخلية وأقليمية، وهو:

هل يمكن للشعب المصري والدولة المصرية قبول أو مناقشة فكرة المصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين؟

وهو سؤال أظن أنه يدور في الخفاء، هذه الأيام، ومن المهم أن يخرج للعلن من أجل البحث عن إجابة واقعية له، تضمن تجاوز حالة العداء والكراهية بين الجماعة ومنتسبيها والدولة المصرية، وغلق باب أي تهديد يأتي للدولة من طرف الجماعة.

والإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى قدرٍ كبيرٍ من الواقعية والوعي السياسي والتاريخي والوطني، ويجب أن تهدف لتحقيق غايات اجتماعية وإنسانية، عبر السعي لاحتواء المُنتسبين للجماعة الذين لم يدخلوا في صدام مسلح مع الدولة المصرية، ولم يتآمروا عليها، بعد إقرارهم بزيف وتهافت الأفكار والغايات التي تم التدليس عليهم بها، وجعلهم في عداء ديني وسياسي مع الدولة.

وبالتالي، فإن أي مصالحة مستقبلية يجب أن تأتي بعد إجراء منتسبي الجماعة مراجعات فكرية حقيقية، يمكن لهم بعدها ضمان عدم الملاحقة الأمنية، والعودة للاندماج في المجتمع، بعد قطع علاقتهم الفكرية والتنظيمية بالجماعة، وإظهار الاحترام للدولة ومؤسساتها وخيارات شعبها في 30 يونيو 2011.

كما أن أي مصالحة مستقبلية يجب أن تأتي بعد مراجعة الجماعة لأفكارها وتجربتها، تتضمن الاعتراف بأخطائها وخطاياها في حق الدولة المصرية، وحل التنظيم ذاتيًا، والإقرار باستبعاد أي دور سياسي مستقبلي للجماعة، وأي حضور تنظيمي سري أو معلن مرة أخرى، ولو في شكل جماعة خدمية.

أمَّا المصالحة التي تبتغي عودتهم من جديد كجماعة خدمية أو دعوية أو تنظيم سياسي، فهي مصالحة لا يُمكن القبول بها، لأنها سوف تكون فترة كمون جديدة للجماعة، تُعيد فيها بناء نفسها وهياكلها وقواعدها، واستقطاب منتسبين مخدوعين جدد.

ولأنها مصالحة سوف تُبدد أهم مكتسبات ثورة 30 يونيو، وتُعيدنا عاجلًا أو أجلًا إلى حالة الاستقطاب بين الدولة والجماعة، وإلى علاقة الصراع على السلطة بين جماعة الإخوان والدولة الوطنية المصرية التي تأسست على شرعية ثورة يوليو 1952.

إعلان