إعلان

مجدي الجلاد يكتب: ميتافيرس.. الديكتاتور الجديد..!

مجدي الجلاد

مجدي الجلاد يكتب: ميتافيرس.. الديكتاتور الجديد..!

مجدي الجلاد
07:36 م الإثنين 01 نوفمبر 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

منذ مطلع الألفية الثالثة.. بدأ الإنسان يتآكل داخل الإنسان.. كأن البشر توافقوا قسراً على التنازل عن أجزاء من آدميتهم لصالح عالم افتراضي.. هذا العالم الذي يُنذر بالإعلان النهائي عن وفاة علاقة الإنسان بالواقع..!

في العام 2004.. لم يتوقع أحد أن إطلاق «فيسبوك» سوف يغيّر العالم خلال سنوات قليلة.. حتى مؤسسه مارك زوكربيرج نفسه، لم يحلم بهذا التأثير المتصاعد إلى حد الجنون.. غير أنه لم يفوّت الفرصة، وحلّق مع «اختراعه» إلى فضاءات بلا نهاية.. والآن يُعلن عن مرحلة جديدة، ستلد حتماً أجيالاً من الدمى، يُحركها الذكاء الاصطناعي، في عالم لا يعرف ملامحه إلا الله..!

اعتمدت البشرية في تطورها منذ القدم، على العلاقة المنطقية بين الإنسان والمكان والزمان.. هذه الثلاثية التي تمثل «الواقع الكوني» المتوازن.. بينما يعتمد «فيسبوك» ومواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي على واقع افتراضي، يؤسّس نجاحه على نزع الإنسان من مكانه وزمانه، وغرسه في مكان وزمان لا وجود له في الحقيقة.. ولتحقيق هذا الهدف، يستغل نزعة متأصلة داخل الإنسان، نحو الخيال، فلماذا لا ينتقل الخيال من صور ذهنية رحبة، ترتقي بالمرء، إلى عالم افتراضي، يفصمه إلى حد كبير عن الحياة التي يعيشها؟!

هذا هو مربط الفرس، في الإعلان الأخير لـ«زوكربيرج» عن نقلة نوعية في «مملكته»، اعتقد الكثيرون أنها مجرد تغيير اسم شركة «فيسبوك» إلى «ميتا».. بينما تنطوي في حقيقتها على نقلة جديدة في تغيير العالم.. أو «موت الواقع» ومعه إنسانية الإنسان..!

خطوة «ميتا» تعني أن هذه الشبكة التي فرضت سيطرتها على البشرية، دشّنت مرحلة «ميتافيرس»، أي العالم الافتراضي أو الموازي.. وهو ما يراه زوكربيرج مستقبلاً حتمياً لشعوب العالم.. ولكي نفهمه أكثر، علينا التوقف قليلاً أمام ما قالته «انجيلا تشانج»، مديرة أجهزة الواقع الافتراضي في شركة «ميتا»: هدفنا إعادة تشكيل الواقع الحسي..!!!!!.. أما رئيسها زوكربيرج فقالها واضحة وصريحة: إن عالم ميتافيرس سيفرض نفسه خلال السنوات العشر المقبلة، وسيحتل قمة أولوياتنا، وليس الفيسبوك.. بل إنكم لن تكونوا بحاجة إلى فيسبوك للدخول إلى منتجاتنا الجديدة..!

كلمات قليلة، تعني أن «فيسبوك» بكل ما يحمله من مخاطر، وآفات، سيصبح ملاكاً مُجنحاً، مقارنة بالقادم في الـ«ميتافيرس».. رغم أن «فيسبوك» يحمل تاريخاً رديئاً من عدم الثقة، والمتاجرة بخصوصية المستخدمين وبياناتهم الشخصية.. فما بالنا بالكائن الجديد، الذي يتهيأ لاقتحام حياتنا دون استئذان..؟!

هل فهمت الآن ماذا ينتظر أبناءنا وأحفادنا؟!

ثمة عالم جديد يتشكل في معامل الذكاء الاصطناعي.. هذا العالم سيكون متعدد الأبعاد، باستخدام أقنعة وتطبيقات ونظارات وتقنيات ذكية، إلى حد القدرة الفائقة على «سلخ» الإنسان عن العالم الواقعي المُحيط به.. إنها عولمة الخيال، والسفر في مساحات شاسعة من الواقع الوهمي.. وعلى جانبي الطريق تُمطر السماء مليارات الدولارات، والأهم آلاف الرسائل والأفكار والقيم التي ستشكل الوعي العالمي، عبر المتعة الحسية، والإثارة وجنون اللحظات..!

أي عالم يسعون إلى تشكيله الآن؟!.. عالم تنسحب فيه الهوية الوطنية أمام «هوية عالمية افتراضية».. عالم سيأخذ الأطفال والصبية والشباب «أسرى»، دون حروب ودماء، ليصبح ابنك ضيفاً على البيت بجسده، بينما عقله ووجدانه وانتماؤه في هذا العالم الجديد.. لن تكون الشجرة شجرة في عينيه، ولا الجبل جبلاً، ولا السماء سماءً.. ستموت الجغرافيا الحقيقية، لتسود جغرافيا يرسمها المطوّر التقني، فتتحول تدريجياً وبإلحاح إلى حدود وتضاريس جديدة.. أما التاريخ فليس أسهل من تزييفه، لأن المُعلم لن يكون في المدرسة..!

سوف تتوارى الديكتاتورية السياسية، وتسيطر على العالم «ديكتاتورية الذكاء الاصطناعي».. ديكتاتورية ناعمة، لن تخرج ضدها مظاهرات أو ثورات، لأنها ببساطة شديدة، هي التي ستحرك قطعان الجماهير مُستلبة الإرادة ضد الكيانات والأفكار والقيم التي تريد القضاء عليها في العالم الواقعي..!

في هذا العالم الافتراضي.. أتحداك أن تقول لي إنك تعرف ابنك كما كان أبوك يعرفك، وجدك يعرف أباك.. سيكون ابنك اسماً فقط.. لأن أباه الحقيقي سيكون زوكربيرج، أو إيلون ماسك، أو جاك دورسي..!

أما أقل التأثيرات السلبية على المستخدمين للنظارات والأقنعة الافتراضية: العزلة والانفصام التام عن الواقع المُحيط، الاكتئاب الناتج عن تعدد العوالم الوهمية، خلل فيزيائي جسدي، والانسلاخ التدريجي عن المجتمعات التقليدية، بدءاً بالأسرة، مروراً بالأصدقاء الحقيقيين، وانتهاءً بالوطن، الذي سيتآكل ويتقلص لا شعورياً داخل الشاب، ليحل محله هذا العالم الافتراضي الواسع، بمتعته ومغامراته اللانهائية..!

إنه الطوفان.. وفي مواجهته، لن يكون أمامنا، سوى أن نبحث عن إجابة لسؤال مصيري: أنا وأنت وهو ماذا نحن فاعلون لإنقاذ أبنائنا وأحفادنا، رغم أننا لا نمتلك سفينة نوح، ولا نوح بيننا أصلاً..!​

إعلان