إعلان

شعبان يوسف يثأر لـ"ضحايا يوسف إدريس"

د. أمــل الجمل

شعبان يوسف يثأر لـ"ضحايا يوسف إدريس"

د. أمل الجمل
07:00 م الإثنين 28 سبتمبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يتناول كتاب "ضحايا يوسف إدريس، وعصره"- صدر عن دار "بتانة" للكاتب والشاعر المصري شعبان يوسف- ظاهرتي الاستبعاد والاستقطاب، وضحاياهما في الوسط الثقافي والأدبي المصري، من خلال شخصية وتجربة المبدع الكبير يوسف إدريس، أو "تشيكوف مصر"، كما اعتاد البعض أن يلقبه.

تنبع أهمية الكتاب من عدة أشياء؛ أولها أنه كتاب آني متجدد، يصلح لكل زمان- وربما كثير من الأمكنة رغم أن الفترة الزمنية التي يدور في إطارها تمتد بين الخمسينيات والتسعينيات من القرن العشرين.

مثلما اعتدنا من الكاتب شعبان يوسف في مؤلفات سابقة، مازال، هنا يتبع منهجا تفكيكيًا لوضعية ثقافية راهنة رغم أن الكتاب يحكي عن الماضي، لكنه الماضي الحاضر دوما. وأنا شخصيًا أعتبر هذا الكتاب هو جزء ثانٍ بالغ الأهمية من كتاب "المنسيون ينهضون".

هنا، يواصل المؤلف بشكل جذاب، وتفكير عقلاني، رصده للآلات الدعائية والسياسية التي كانت تلعب الدور الرئيسي في تكريس كاتب معين، أو شاعر ما، أو كاتب للقصة، وتظلان تعملان بقوة وانتظام واحترافية حتى يتم تدشين وتتويج ذلك الشاعر أو الكاتب أو القاص. من دون أن يغفل الصفات الواجب توافرها في هذا المبدع الجديد الذي سيتم تدشينه. ورغم تأكيده على اختلاف ظروف العصر، لكنه يفند البدائل الجديدة التي تصل لحدود الدسائس والمؤامرات والشللية والإعلام والنقاد للتكريس لما هو بائس وضعيف وركيك وسطحي، وتجاهل ما هو أهم جماليًا وفكريًا.

الكتاب لا يكتفي بتناول تجربة يوسف إدريس ومعاصريه أو مجايليه، لكنه ينطلق من الإشارة العاجلة عن سلطات كتاب آخرين أسبق منه مثل عباس محمود العقاد، وطه حسين، وكيف تأسست سلطتهما التي كانت أشبه بالوصاية، إضافة للحروب التي خاضاها، وحملات التشويه التي تعرضا لها.

وكيف أن طه حسين مثلما تعرض للأذى فإنه قد مارس القسوة غير المبررة ثقافيًا ولا نقديًا ولا أدبيًا على آخرين، من وجهة نظر مؤلف الكتاب.. مما يجعلنا نتساءل؛ تُرى هل ينطبق الأمر على نجيب محفوظ؟ هل كان هناك ضحايا لقوة وسطوع اسم وأسطورة نجيب محفوظ؟ حتى وإن كان محفوظ بعيدًا عن هذا الأثر السلبي بمعنى أنه لم يحاول أن يؤذي أحدًا؟ فربما يكون هذا موضوع كتاب جديد قادم من المؤلف الكبير.

لا شك أن البعض قد يعتبر أن شعبان يوسف في هذا الكتاب يضرب في ثوابت كانت وما زالت لها آثار عميقة في ثقافتنا وجامعاتنا وتاريخنا الأدبي والسياسي والفكري، لكن المؤلف يُؤكد منذ البداية أن الهدف من الكتاب ليس التقليل من عظمة يوسف إدريس أو غيره من الأدباء الكبار، وإنما يُحاول تفنيد الأسباب والعناصر التي عملت على صناعة أسطورة يوسف إدريس، مؤكدا أنه "لا يُريد أن يُفهم من كتاباته أن يوسف إدريس أقل من أن يكون أعظم كاتب قصة قصيرة جاء في مصر، ولكن هذه العظمة، عملت على إزاحة كتاب كثيرين من المشهد ظلوا يكتبون في تجاهل ونسيان، حتى نقديًا، وكان إدريس نفسه يساعد على ذلك". كذلك، وعبر صفحات الكتاب التي تبلغ ٢٧١، وستة عشر فصلاً، يتعرض الباحث والشاعر للحروب التي تعرض لها يوسف إدريس، المديح الزائد، والهجوم الضاري الذي واجهه قبل وبعد صدور مجموعته "أرخص ليالي، ودور اليسار المصري في دعمه، ومساندته، مع التركيز على المبالغات المفرطة لليسار، وأهمية تجربة إدريس في روزاليوسف التي انتهت بأنه صار المتحكم فيما يُنشر. مثلما يخصص فصلاً كاملاً لأبناء جيله وكيف قرأه، وكيف كانت علاقته بهم؟ مرورًا بمصطفى محمود المناوئ الأول، وكُتاب الحلقة المفقودة، وجماعة طب قصر العيني الأدبية الثائرة، ثم عصر القصة الذهبي، متطرقًا للجوائز ونجيب محفوظ، ثم يخصص فصولا متعددة لعدد من ضحايا يوسف إدريس، ويستعرض تجاربهم ويسلط الضوء على إبداعهم ومناطق القوة، والظلم الذي تعرضوا له، قبل أن يختتم بتجربة محمد صدقي المستبعد من ذاكرة النقد.

يستعين المؤلف بآراء كبار النقاد المهاجمين لإدريس، مثلما يفند بعضها إن كانت تلك الآراء أحيانا تفتقد الموضوعية، أو تنقب في ضمير المبدع. ومنها يتطرق للعلاقة الشائكة بين طه حسين وإدريس، ولماذا وافق الأول على كتابة مقدمة لمجموعة: "جمهورية فرحات"، فهل كانت السلطة السياسية وراء إجبار طه حسين على أن يكتب تلك المقدمة التي قال فيها ملاحظاته السلبية على أسلوب يوسف إدريس في "أدب ورصانة" وفق تعبير شعبان يوسف؟!

"ضحايا يوسف إدريس" كتاب شيق، ممتع فكريًا، ويُحسب لدار نشر بتانة ومشرفها العام الدكتور عاطف عبيد، أنه خرج للنور ضمن إصداراتها، وإن كانت الدار منذ بدأت رحلتها قد ضخت دماء جديدة في الوسط الأدبي، وفي مجال النشر، إذ لا يقتصر دورها على ذلك، فهي تقيم ندوات وفعاليات ثقافية متجددة.

بقي أن نضيف أن هذا الكتاب البديع يتميز بالاختلاف كما عهدنا في كتابات شعبان يوسف.. فقط، كنت أتمنى على مؤلفه توثيق الآراء والمراجع التي استعان بها، حتى تكون مرجعاً للباحثين الآخرين، في المستقبل القريب أو البعيد، لأنه كتاباً يفتح الباب لعشرات الدراسات والبحوث. خصوصاً أنه يُعيد محاكمة فصول من تاريخنا من دون أي محاولة للهدم، وإنما عبر إعادة القراءة والتحليل والفهم، وكشف الملابسات، والغموض، ومنح بعض المنسيين حقهم المسلوب، فتحية تقدير للكاتب والشاعر الكبير شعبان يوسف.

إعلان