إعلان

رقمنة الكتب.. ومستقبل "آفاق السينما"

د. أمــل الجمل

رقمنة الكتب.. ومستقبل "آفاق السينما"

د. أمل الجمل
09:19 م الخميس 06 أغسطس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إنها أحد أعمدة التنوير والغذاء الروحي والفكري في مصر، وليست فقط إحدى أهم سلاسل الكتب على اختلاف أنواعها في أرض الكنانة. أقصد سلسلة آفاق السينما، التي تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر.

الميزة التي تنفرد بها هذه السلسلة عن غيرها - بالطبع إلى جانب بعض إصدارات الهيئة العامة للكتاب - أنها تُباع بأسعار زهيدة جداً في متناول أيدي عشاق الثقافة محدودي الدخل، وشخصياً كلما زرت أحد منافذها لا أتوقف عن التقاط إصداراتها من فوق الأرفف إلا عندما أشعر بحافظة نقودي تستغيث من الخواء والوحدة التي ستعيشها لأيام عديدة تالية.

السلسلة على أهميتها تتعثر عن الصدور في أوقات غير قليلة لأسباب مالية، رغم حجم الإقبال عليها من المؤلفين الذين لا تجد أعمالهم صدى عند دور النشر الخاصة مرتفعة الأسعار والتي يطلب بعضها أموالاً من المؤلفين لأجل إصدار الكتب بحجة أن الكتب تخسر.

شبكة البنية التحتية والمعرفية

الآن، ومنذ فترة، وبفضل توجيهات الرئيس السيسي، ينتشر في أرجاء مصر حركة نشيطة لإعمار البنية التحتية وتجديد ما يستحق، خصوصًا شبكة الطرق الجديدة، ومحاولة توسيع القديم وتجديده، إقامة الكباري هنا وهناك، ترام فوق الأرض بدون سائق، تجديد قطارات، خطوط جديدة لمترو الأنفاق.

مَن يتحرك بين المحافظات يُدرك ذلك تمامًا، يرى بعينيه نصف الكوب المملوء، ويشعر جليًا أن هناك محاولات لملء النصف الآخر. وهذا أمر ليس سهلاً أبداً في ظل ظروف اقتصادية صعبة، ومديونية كبيرة، وانهيار اقتصادي عالمي.

مع ذلك فإن عملية البناء والتشييد مستمرة؛ لأنها تصب في خدمة المستقبل، لذلك أيضاً أناشد المسؤولين بوزارة الثقافة أن يقتضوا بخطة سيادة الرئيس ويعملوا على الاهتمام بالبنية المعرفية والتنويرية، بالتسهيل والمشاركة في بناء الوعي عبر سلسلة مهمة مثل "آفاق السينما"، التي يتمنى عدد من المؤلفين المصريين ومن الإخوة العرب النشر فيها، وهذا في حد ذاته دور إيجابي، واحتضان لكفاءات ومؤلفات تستحق أن ترى النور.

على المسؤولين أن يذللوا العقبات المالية أمام تلك الإصدارات. عليهم أيضًا التفكير في إمكانية التحول للرقمنة بإصدار الكتب الديجتال. إنه مشروع المستقبل.

لماذا لا نساير العصر وتطوراته؟! إنها خطوة يُمكن أن تقود السلسلة إلي أن تجنى أموالاً، وتحقق مدخولاً تُنفق منه على نفسها، علينا التفكير في كيف يمكن تحويل كل ما ننتجه إلى مكسب، لا شيء يخسر إلا بسبب الكسل، حتى الثقافة يمكن لها أن تكون مصدر دخل كبير ومهم. والهيئة العامة للكتاب نفسها ليست استثناء، وأرجو أن الدكتور هيثم الحاج يدرس هذا المقترح، خصوصاً أن الهيئة لها دور مهم لا يمكن تجاهله في دعم مهرجانات السينما في مصر.

لماذا لا تفكر هذه الجهات الحكومية - قبل غيرها - في أن تُصدر المؤلفات في صيغة الـ"بي دي إف"؟ لماذا لا تفكر في إصدار طبعات مسموعة. أجل «طبعات مسموعة». الأمر لا يتعلق فقط بكبار السن الذين فقدوا حاسة الإبصار وأصبحت حاسة السمع وسيلتهم للتواصل مع الحياة، ويرغب ذووهم في مساعدتهم وتمضية الأيام الباقية من حياتهم دون انتظار الموت.

ولكن أيضاً هناك عدد كبير من الناس يقضون ساعات طويلة من حياتهم في السيارة أو على الطرقات لأسباب متباينة. حتى مَنْ يتريضون يمكنهم الاعتماد على القراءة السمعية. أعتقد لو تم تنفيذ تلك الفكرة سيكون الإقبال عليها متزايداً.

يحيى عزمي وسمير فريد

إحدى المزايا الإضافية أن السلسلة يتولى رئاسة تحريرها حاليًا السيناريست المتفتح الوعي والمطلع على تطورات العصر، والأستاذ بالمعهد العالي للسينما الدكتور يحيى عزمي الذي تتلمذ على يديه عشرات من كتاب السيناريو الذين بزغ نجمهم في مجال الدراما التليفزيونية أو عالم السينما، ويكفي أن نذكر أبرز أعماله وهو سيناريو فيلم "الطوق والإسورة" أحد أبرز كلاسيكيات السينما المصرية الذي أخرجه خيري بشارة عن رواية يحيى الطاهر عبدالله.

يُدرك الدكتور عزمي بتاريخه الأكاديمي والمعرفي الطويل، وبحسه الإبداعي والنقدي قيمه المؤلفات وأهميتها. لذلك لم يكن غريبًا أبدًا أن يسمح بإصدار مؤلفين دفعة واحدة للناقد السينمائي الكبير سمير فريد؛ الكتاب الأول هو "مخرجون واتجاهات في سينما العالم"، والثاني "مخرجون واتجاهات في السينما الأمريكية".

دور مصر

لماذا أُثمن خطوة دكتور يحيى عزمي لأنني أعلم تمامًا أن العزيزة منى غويبة لديها طموح كبير بإعادة طبع مؤلفات سمير فريد، حتى وإن كان بعضها تجميع لمقالات؛ لأنها -ومعها الحق في ذلك التفكير- ترغب في توثيق مشروع فريد، مثلما ترغب في إتاحته للمكتبة المصرية، ولكل قارئ من الأجيال الجديدة، خصوصًا أن عددًا منها صدر خارج أرض الوطن.

لذلك أُحيي دكتور عزمي على قراره، وكذلك مديرة التحرير الأستاذة أمل ممدوح على جهودها، وأتمنى أن أسمع قريباً بأن السلسلة ستصدر منها طبعات مسموعة، فمصر ليست أقل من دول بالمنطقة بدأت في إصدار نسخ مسموعة من صحفها ومطبوعاتها. لدينا أصوات مذيعين ومذيعات موهوبين وواعدين، لدينا كفاءات وثروة بشرية علينا أن نفكر كيف نستفيد منهم. هذا جزء من دور مصر، وواجبها إزاء تاريخها العريق، ولأجل مستقبل أبنائها.

إعلان