إعلان

وباء الهسهس!

محمد حسن الألفي

وباء الهسهس!

محمد حسن الألفي
09:31 م الثلاثاء 04 أغسطس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

التعبير البلدي الشائع عن حالة من حالات الوسواس القهري المخفف هو هذه الكلمة التي نحتها الناس، لكي يجسدوا ذلك الشعور الفوضوي الذي يجتاحهم، يجتاحنا، عادة، وقت الخطر الداهم، خطر الموت مرضا أو رعبا، ولا أحسب أن وقعت حالة هسهس جماعي مليارية كالحالة الناجمة عن جائحة كورونا التي أخذت بخناق البشر في أرجاء الكرة الأرضية.

كنا في زمن مضى نكتب ببلاغة مستعملين لفظة خناق، تأخذ بخناق، عرفنا اليوم ومنذ مارس الماضي في مصر معني الخناق، والخنقة، وطبقة الصدر، وكتمة النفس، وضيق التنفس، وربطنا هذه جميعا بأنها أعراض الوباء الفيروسي اللعين، أي شوية صداع، أي شوية حساسية في الصدر ينجم عنها عدم اكتمال سحبة الرئتين إلى منتهاهما، أي شوية زكام، أي فقدان خفيف للطعم أو الشم.. تجد البيت كله انقلب حاله رأسا على عقب، ومضى الهسهس موجات تلو موجات يضرب أركان الطمأنينة في نفوس الجميع.

وتحدث خطوة تالية في الشعور، هو سقوط الإنسان في فخ نفسي غريب وفريد، هو الترصد؛ يتحول المهسهس إلى ترمومتر، ومقياس، يراجع مقاساته وأوزانه وسحنته وحرارته لا شعوريا، ويباشر ملاحظة الأعراض، وهي لا تظهر كاملة، لكنه من شدة الجزع والهلع يستشعرها، فيحس بالحرارة، ولا حرارة، وتنزع نفسه إلى سعال، وهو ليست إلا كحة عابرة.

وأعرف نفسي، وأصدقاء، كنا نتبادل الأخبار للاطمئنان، فإذا علمنا أن أحدنا من معارفنا، ولو من بعيد، أصابه الكورونا وصار من ضمن الـ١٨ مليون آدمي المصابين بها، انتقلت إلينا الأعراض، وأنا المهسهس الأعظم بطبعي، رغم أنه لم يثبت علميا ولا عقليا إمكانية انتقال الوباء عبر النت أو التليفون المباشر، ولن يحدث بالطبع!

لكنه الخوف. شيء من الخوف، خلق الإنسان جزوعا. الشيء من الخوف على النفس، وعلى الولد، وعلى المال، وعلى الحياة هو ما يجعل الآدمي شديد الحساسية والتأثر بأي خطر يهدد الطمأنينة الناتجة عن حيازة الصحة، وحيازة الولد، وحيازة المال، كل هذه الحيازات الثلاثة هي الحياة بالنسبة لمعظم الناس، أقول معظم لأن هذا هو الواقع، فقليلون من يتمتعون بحيازة من طبقة أسمي وأرقى، تسمي نعمة التسليم، نعمة الرضا، نعمة القبول.

غياب هذه النعمة هو المحرض على الحركة طلبا للحيازات الثلاثة السابقة. الصحة، والولد، والمال، مجموعها يمثل السلطة، والسيادة، منا من يتجبر بحيازتها، ومنا من يتواضع، مستشعرا إمكانية سحب النعم الثلاث.

الوجه الحقيقي لكارثة الجائحة هو إعادة تعريف العلاقة بين السماء والأرض، بين الخالق والمخلوق، بين الجبار والمتجبرين، بين الإنسان والإنسان. يعرف الله كتالوج الآدميين؛ لأنه بالطبع من صنعهم، نحن صنع الله. عارف طباعنا وأطماعنا. يعرف أنه إذا أذاقنا رحمة وعفوا سننقلب ظالمين ومعرضين وجبارين.

هل تعلمنا من الخوف، ومن الجزع، ومن موت الفجأة بعض التراجع، وبعض التواضع؟

رغم شيوع القلق، والوسواس، والهسهس، ورغم تضرعات الخائفين، يمارس كثيرون حياتهم ظالمين. اضربهم يا ألله بما يفعلون، سلط عليهم وباءك. هم أحق به من قلوب وأبدان الملايين من الطيبين.

إعلان