إعلان

اللقاح الروسي: هل هو سبْق علمي أم "فنكوش"؟

عبد الهادي مصباح

اللقاح الروسي: هل هو سبْق علمي أم "فنكوش"؟

د. عبدالهادي مصباح
02:24 م الأحد 16 أغسطس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أعلن الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" أن وزارة الصحة في بلاده قد اعتمدت لقاحًا ضد السارس COV-2، وهو فيروس كورونا المسبب لـ"كوفيد- 19"، وقال بوتين إن اللقاح آمن وفعال، وروسيا تخطط لبدء التطعيمات الجماعية في أكتوبر.

وفي الحقيقة، تسبب هذا الإعلانُ في قلق عالمي؛ حيث يرى علماء المناعة في الولايات المتحدة وإنجلترا وكندا وألمانيا وإسبانيا وفرنسا أنه لا توجد طريقة للتأكد من سلامة هذا اللقاح وأنه آمن بالفعل، بالإضافة إلى عدم التأكد من فاعليته!

ويبدو أن روسيا تبحث عن السبْق بغض النظر عن أمان وفاعلية التطعيم وما يمكن أن يحدثه من أضرار أو مضاعفات جانبية؛ حيث تم اعتماده بعد انتهاء المرحلتين الأولى والثانية، ولم يجرب في المرحلة الثالثة على سوى 2000 متطوع من جنود الجيش الروسي، بينما باقي التطعيمات المماثلة تجرب على الأقل على 30 ألف شخص فأكثر، وفي أماكن وأعراق وجنسيات متعددة حتى يتم التأكد من سلامة هدا التطعيم وفاعليته، وعدم حدوث مضاعفات جانبية طويلة الأمد بعد فترة من تناوله.

ماذا نعرف عن اللقاح؟

أطلق الروس على اللقاح اسم "سبوتنيك 5 Sputnik V نسبة لأول قمر صناعي سبوتنيك 1، الذي أطلقه الاتحاد السوفيتي في عام 1957 - في إشارة إلى أن الحكومة الروسية تخطط للترويج له على أنها مسألة فخر وطني وسبق علمي لم ينجح أحد في الوصول إليه تم تطويره من قبل معهد أبحاث "جمالية" لعلم الأوبئة وعلم الأحياء الدقيقة في موسكو، وهو جزء من وزارة الصحة الروسية.

وسوف يتم إعطاء اللقاح في حقنتين، بفاصل 21 يومًا. تحتوي الحقنتان على فيروسات من عائلة أدينوفيروس Adenovirusالتي تسبب نزلات البرد الخفيفة عادة، حيث تم تفريغهما من جيناتهما الوراثية ويتم إعطاؤهما جين البروتين الشائك Spikes من فيروس كورونا SARS-CoV-2. الذي يسمح للفيروس بدخول الخلايا البشرية من الناحية النظرية، وبالتالي يجب أن يؤدي هذا إلى تهيئة الجهاز المناعي لمواجهة فيروس كورونا الفعلي، وإنتاج الأجسام المضادة التي تمنعه من دخول الخلية، ويُعرف هذا باسم "الناقل الفيروسي" مثل الصاروخ الذي يستخدم لنقل سفينة الفضاء إلى الفضاء البعيد، وقد تم اعتماد فاكسين ضد الإيبولا بطريقة مشابهة في عام 2018، وهي نفس الطريقة التي يتم تحضير اللقاح الذي يتم تصنيعه عن طريق د. سارة جيلبرت، رئيسة الفريق الذي يصنع لقاح ضد فيروس كورونا في جامعة "أكسفورد"، بالتعاون مع شركة أسترا زينيكا العالمية التي دخلت معهما شركة "جيلياد" الأمريكية .

ولكي نستطيع علمياً أن نحكم إن كانت روسيا قد تسرعت في إعلانها عن اعتماد هذا اللقاح وتصديره إلى 20 دولة في الوقت الحالي من بينها السعودية والإمارات، يجب أن نعلم أن اللقاحات الجديدة لا بد أن تجتاز ثلاثة اختبارات قبل استخدامها على نطاق واسع:

-تتضمن تجربة المرحلة الأولى عددًا صغيرًا من المتطوعين، وتهدف إلى تحديد الجرعة الآمنة التي يمكن أن نعطيها للإنسان السليم، وهل تكفيه جرعة واحدة أم جرعتان.

-المرحلة الثانية تتطلب مزيدًا من الأشخاص، لأنها تختبر ما إذا كان اللقاح يؤدي إلى استجابة مناعية كافية للتصدي للفيروس، والفترة التي يبقى خلالها الجسم متمتعاً بالحصانة المناعية أم يجب أن يتناول جرعة أخرى منشطة، كما أنها تبحث بعناية أكبر عن الآثار الجانبية.

-أما المرحلة الثالثة الكبيرة، فخلالها يمكن معرفة ما إذا كان اللقاح يحمي بالفعل من العدوى بالمقارنة بمجموعة "كونترول" لا تأخذ هذا اللقاح، كما أنها تبحث عن المضاعفات الجانبية بعيدة المدى، وهذا ليس مجرد إجراءٍ شكلي؛ فقد يؤدي اللقاح إلى استجابة مناعية في المرحلة الثانية، ولكن هذا قد لا يكون كافيًا لمنح مناعة حقيقية في المرحلة الثالثة.

وعلى الرغم من أن الباحثين الروس أعلنوا أنهم قاموا بتسجيل تجارب المرحلتين الأولى والثانية، وقد تم الانتهاء من هذه التجارب في أوائل أغسطس، ولم تكن هناك آثار سلبية، واللقاح أثار الاستجابة المناعية المرغوبة – حسب قولهم، فإنه حتى اليوم لم يتم الإعلان عن نتائج مفصلة أو منشورة في أي محفل أو مجلة علمية متخصصة محترمة.

وقد أعلن العلماء الروس في معهد "جمالية" أن المرحلة الثالثة ستبدأ هذا الأسبوع في عدد من البلدان بما في ذلك البرازيل والمكسيك والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

وهكذا نجد أن اللقاح لم يمر بسلسلة كاملة من الاختبارات. وبدون البيانات من المرحلتين الأولى والثانية، لا نعرف مدى أمانها، وبدون المرحلة الثالثة، لا نعرف ما إذا كان سينجح أم لا، كما أنه ليس لدينا أي فكرة إذا كان ذلك اللقاح الذي سوف يعطى لبشر أصحاء آمنا وفعالا على الإطلاق .والحقيقة أن هذا الأسلوب الذي اتبعته روسيا- حتى لو ثبت صحته- يمكن أن يأتي بنتائج عكسية من خلال الآتي:

اللقاح قد يسبب آثارًا جانبية خطيرة. تم استخدام اللقاحات المستندة إلى الفيروسات الغددية (أدينوفيروس) على نطاق واسع، لذا يمكن القول إن المخاطر منخفضة، ولكن بدون رؤية البيانات التجريبية، لا توجد طريقة للتأكد.

قد لا يوفر اللقاح أيضًا الحماية من فيروس كورونا. إذا أخذه الناس، واعتقدوا أنهم محصنون في حين أنهم ليسوا كذلك، فقد ينتشر الفيروس على نطاق أوسع ويسبب العديد من الوفيات.

هناك أيضًا خطر اجتماعي – سياسي؛ حيث تواجه بلدان عديدة بالفعل مشاكل في السيطرة على الأمراض الموجودة من خلال التطعيم؛ لأن الناس يحجمون عن تطعيم أنفسهم أو أطفالهم. ويرجع ذلك إلى الادعاءات الكاذبة للحركة المناهضة للتطعيم والتي تشيع بأن اللقاحات الموجودة خطيرة، وقد يؤدي إطلاق لقاح لم يتم اختباره إلى تفاقم المشكلة وتثبيت هذه المعتقدات.

ولعل ما قاله "فرانسوا بالو" من "يونيفرسيتي كوليدج" لندن في بيان له يعبر عن ذلك حين قال: هذا قرار متهور وأحمق؛ حيث إن أي مشكلة في حملة التطعيم الروسية ستكون كارثية ليس فقط من خلال آثارها السلبية على الصحة، ولكن أيضًا لأنها ستزيد من تراجع قبول اللقاحات بين السكان".

ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، توجد 6 لقاحات حاليًا في المرحلة الثالثة من التجارب، لكن لم يتم إكمالها بعد. أكثر من 100 لقاح قيد التطوير، وأظهر الكثير منها نتائج إيجابية، مما رفع الآمال في أن يكون أحدها جاهزًا للتداول خلال الـ12 شهرًا القادمة.

لكن منظمة الصحة العالمية قالت إنها تجري محادثات مع السلطات الروسية بشأن إجراء مراجعة للقاح الذي أطلق عليه اسم Sputnik-V.، وإنه ليس من بين قائمة لقاحات المنظمة المكونة من 6 لقاحات وصلت إلى المرحلة الثالثة من التجارب السريرية، والتي تتضمن اختبارات أكثر على البشر .

وقد أعرب وزير الصحة الألماني عن قلقه من أن اللقاح الروسي لم يتم اختباره بشكل صحيح. وقال ينس سبان لوسائل إعلام محلية "قد يكون من الخطير البدء بتلقيح الملايين من الناس في وقت مبكر للغاية لأنه قد يقضي إلى حد كبير على قبول التطعيم إذا حدث خطأ".

وأضاف: "بناء على كل ما نعرفه، لم يتم اختبار ذلك بشكل كافٍ". الأمر لا يتعلق بأن تكون الأول بطريقة ما - بل يتعلق بالحصول على لقاح آمن.

وفي فرنسا، قالت إيزابيل إمبرت، الباحثة في المركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية في مارسيليا، إن الوعد بالشفاء في وقت مبكر جدًا قد يكون "خطيرًا للغاية". وقالت لو باريزيان: "لا نعرف منهجية أو نتائج تجاربهم السريرية".

وفي الولايات المتحدة، قال كبير خبراء الفيروسات في البلاد، الدكتور أنتوني فاوتشي، إنه يشك في مزاعم روسيا، وقال لناشيونال جيوجرافيك: "آمل أن يكون الروس قد أثبتوا بالفعل بشكل قاطع أن اللقاح آمن وفعال". "وأشك بجدية في أنهم فعلوا ذلك".

إعلان