إعلان

أفلح هذا الرجل إن صدق!

سليمان جودة

أفلح هذا الرجل إن صدق!

سليمان جودة
07:00 م الأحد 07 يونيو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إذا كان الشيخ راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة الإسلامية في تونس، قد أفلت هذه المرة من المساءلة البرلمانية التي أرادت تجريده من الثقة، فلن يفلت منها في المرة المقبلة، لأن الواضح أن رأياً عاماً سياسياً قد بدأ يتشكل ضده، وأن هذا الرأي العام لن يدعه يمارس ما يمارسه!

جلسة المساءلة عقدها البرلمان التونسي يوم الأربعاء ٣ يونيو، ولم تكن تسعى فقط إلى مساءلته على ما قام به مع تركيا مرة، وفي الملف الليبي مرة ثانية، ولكنها كانت تريد أن تقول للتوانسة إن هذا الرجل لا يستحق أن يكون على رأس البرلمان في بلاده وإن عليه أن يغادر هذا الموقع!

وهو كان قد شغل الموقع انتخاباً؛ لأن حركة النهضة التي يرأسها حصلت في الانتخابات البرلمانية الماضية على الأكثرية من أصوات الناخبين، وحجزت بالتالي عدداً من مقاعد البرلمان يمثل الأكثرية لا الأغلبية، وعلى هذا الأساس جرى انتخابه رئيساً للمجلس النيابي!

وربما لم يأتِ انتخابه ولا وجوده في موقعه الحالي على هوى تونسيين كثيرين، ولكنها الديمقراطية التي وصفها السياسي البريطاني ونستون تشرشل ذات يوم بأنها ليست الطريقة الأفضل في الاختيار، وإنما هي أفضل طريقة وصل إليها الفكر السياسي في العالم.. بما يعني أنها ليست الأفضل حتى هذه اللحظة، وأن كل ناخب في كل دولة يترقب الوصول إلى طريقة أفضل منها!

وإلا، فهل من الديمقراطية في شيء أن يقوم الغنوشي بزيارة إلى تركيا، ويجتمع بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، دون أن يكون البرلمان الذي يجلس على قمته، ولا حتى السلطات في بلاده على علم بالزيارة ولا بجدول أعمالها؟!

وهل من الديمقراطية في شيء أن يرد المتحدث باسم حركة النهضة على الصخب السياسي الذي أثارته الزيارة بأن موعدها كان قد تحدد سلفاً، أي قبل انتخاب الشيخ راشد رئيساً للبرلمان وأن الرجل قام بها بصفته الشخصية؟!

هذا كلام لا يقال لعقلاء؛ لأنه من المستحيل التفرقة في حالة كهذه بين الصفة الشخصية للغنوشي، وبين الصفة العامة التي بمقتضاها يستقر على قمة البرلمان!

ولو كانت الزيارة قد جرت في ظروف طبيعية في المنطقة، ما كانت هناك مشكلة سوف تثيرها، ولكن المشكلة أنها جاءت في ظروف يتبنى فيها أردوغان مشروع جماعة الإخوان السياسي، بكل ما جرّه هذا المشروع من ويلات على المنطقة، وتونس في القلب منها، منذ ما لا يزال يتسمى بالربيع العربي، ثم جاءت الزيارة في ظروف يرسل فيها أردوغان ميليشياته للعبث في ليبيا التي تقع مع تونس على حدود مباشرة!

والمعنى أن الزيارة جعلت تونس في موقع سياسي بدت فيه كأنها توافق على عبث تركيا وعبث ميليشياتها على الحدود في ليبيا!

ولم يتوقف الرجل عند هذا الحد، ولكنه راح يتصل بفايز السراج رئيس حكومة ما يسمى بالوفاق الوطني الليبية، لا ليشجعه على أن يمارس الوفاق فعلاً مع كل الأطياف السياسية، ولا على أن تكون حكومته اسماً على مسمى، ولكن ليهنئه على نجاح ميليشيات الحكومة في الاستيلاء على قاعدة الوطية في صراعها مع الجيش الوطني للبلاد الذي يقوده المشير خليفة حفتر!

كان الأجدى طبعاً أن يقول الغنوشي للسراج في أثناء المكالمة أن القاعدة العسكرية هي قاعدة ليبية، وأن الطبيعي أن تكون تحت سيطرة جيش البلاد الوطني، لأنه لا جيش سواه في ليبيا، ولأنه لا يوجد بلد يضم جيشين، ولأن جلوس الطرفين معاً (حفتر والسراج) يمثل ضرورة لصالح البلد في مجمله، قبل أن يكون في صالح أي طرف منهما، ولأن ذلك كله لا يمكن أن يتم في وجود فرد ميليشيا واحد يتبع تركيا على الأرض الليبية!

هذا هو المنطق السليم، وهذا ما يقول به العقل، وهذا ما يحقق استقرار ليبيا، الذي سيكون في صالح دول الجوار ومن بينها تونس طبعاً!

وعندما حوصر الغنوشي في جلسة المساءلة وسحب الثقة، بادر فقال إنه سيراجع نفسه لإصلاح مواضع الخلل في سلوكه السياسي، ولا شيء يصور واقع حاله وهو يقول هذا الكلام، سوى الحديث الشريف الذي وصف فيه الرسول الكريم رجلاً جاءه في سياق آخر فقال عنه: "أفلح إن صدق".

إعلان