إعلان

 المنطلق الفكري للجماعات الإرهابية

الشيخ أحمد تركي

المنطلق الفكري للجماعات الإرهابية

الشيخ أحمد تركي
09:30 م الأربعاء 03 يونيو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إن التطرف الديني والاجتماعي لا يبدأ عند انضمام شاب لداعش أو القاعدة أو أي جماعة إرهابية مسلحة أو عنيفة!، بل يبدأ التطرف عندما ينضم الشاب إلى جماعة من الجماعات التي تطلق على نفسها (إسلامية)، حتى وإن كانت تتخذ من السلمية منهجًا والتعبد سبيلاً والبعد عن السياسة تقرباً لله!.

لماذا؟؛ لأن مجرد تكوين جماعة دينية داخل مجتمع مسلم يوحي لأفرادها بمفاهيم هي مقدمة للتطرف والإرهاب، ومنها:

١- الإيحاء بأن أفراد الجماعة على درجة من الإيمان والقرب من الله وعلى وعي بالقرآن والسنة أكثر وأكبر من جموع الناس، وهذا واضح جدًا في أسماء بعض الجماعات (الجماعة الإسلامية - جماعة أنصار الله - حزب الله - إلخ)، وبالتالي لا بد من دعوتهم إلى الالتزام الديني (على حد تعبيرهم)، وكلمة (التزام) مشهورة جدًا بين مفردات أعضاء الجماعات المتنوعة، وكثيرًا، ما يقصد بها التزام الجماعة وليس الاستقامة على أمر الله ورسوله، كما أمرنا الله: (قل آمنت بالله ثم استقم)، واستخدام لفظ الالتزام بدلا من الاستقامة من بعض ألاعيب كهنة هذه الجماعات لإحداث تلبيس كتلبيس إبليس على الشباب الذين يريدون الاستقامة ويتبعهم على الاستقامة لله فإذا بهم يجرونهم إلى الالتزام بتعاليم وأفكار الجماعة على أنها وحي الله المعصوم!.

٢- انتقال ولاء الشباب من ولائهم لله وللدين إلى ولائهم للجماعة وأميرها أو مرشدها، ومن اعتبار كل المسلمين إخوة على مستوى الحقوق والواجبات كما قال رب العالمين: (إنما المؤمنون إخوة)، على اعتبار الإخوّة مقصورة على أفراد الجماعة، فقد دون المسلمون الذين يعتبرون في منظور هذه الجماعات فسقة أو كفارًا أو على الأقل غير ملتزمين!، وهذه الكلمة أيضًا أطلقها كهنة الجماعات تعبيرًا عن أن الإخوة هم أعضاء جماعة وليس بقية المجتمع ومن هذا المفهوم سميت جماعة الإخوان نفسها باسم (الإخوان المسلمون)، إيحاءً أن غير المنضمين إلى الجماعة ناقصون في دينهم وإخوتهم!، واستكمال الدين ليس بالاستقامة إنما بالسمع والطاعة للمرشد أو الأمير!

٣- اعتبار آيات القرآن في وصف المؤمنين والمتقين لا تنطبق إلا على أفراد الجماعة، وبالتالي آيات الكافرين والفاسقين تنطبق على غير أفراد الجماعة حتى وإن كانوا على تقوى من الله ورضوان، وأيضًا تفسير الصراع بين الحق والباطل وإسقاطه على الصراع بين الجماعة والمجتمع وليس بين الأمة وأعدائها من الصهاينة مثلا!

٤- توظيف القرآن والسنة بالاستدلال الانتقائي لصالح مصالح الجماعة الضيقة سياسيًا أو صراعيًا.

ولهذا حرّم القرآن الكريم تكوين جماعة بطانة من دون المؤمنين، ففكرة تكوين الجماعة داخل المجتمع المسلم هي بداية التطرف والإرهاب ومحاربة الإسلام من داخله، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [آل عمران: 118].

ويلاحظ أن هناك عدة منطلقات فكرية لكل هذه الجماعات بداية من السلفية وانتهاء بجماعات التكفير وداعش والقاعدة، يتفقون في مساحة كبيرة منها ويختلفون في مساحة ضيقة، من هذه المنطلقات:

الحاكمية وفرضية إقامة الخلافة.

مفهوم الولاء والبراء.

التكفير والمجتمع الجاهلي.

حتمية المواجهة المسلحة لإقامة الخلافة والعدو الأقرب (الدولة) أولى من العدو الأبعد

تغيير المنكر بالقوة والسلاح.

وفهم الجماعات لهذه الموضوعات مختلف تمامًا لمفهوم المحجة البيضاء التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، على سبيل المثال:

هل إقامة الخلافة الإسلامية كما يسمونها واجبة؟!.

والجواب ببساطة شديدة أنه لا يوجد نص في القرآن أو في السنة يدل على أن الإسلام يفرض طريقة للحكم وسياسة البلاد والعباد!، خلافة أو جمهورية أو مملكة، المهم أن يكون الحكم رشيدًا.

وما ورد في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم – قال:

"تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم يكون ملكًا عاضًا أو عضوضًا، فيكون فيكم ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعه الله إذا شاء أن يرفعه، ثم يكون حكمًا جبريًا، فيكون فيكم ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعه الله إذا شاء أن يرفعه، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة".

هذه نبوءة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – تبين ما سيحدث للأمة في فترات تاريخية، ولكن لم يحدد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كيفية الخلافة ولا صورتها ولا صورة الحكم إنما تركها لظروف كل جيل وعصر.

لقد تحدث النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الإمام او الحاكم العادل الرحيم.

وعن القيم الحاكمة للراعي والرعية، وأقام صلى الله عليه وسلم مجتمعًا إسلاميًا في المدينة المنورة بعد الهجرة عام ١ هـ يسوده العدل والرحمة وكل القيم الربانية التي ننشدها، قبل أن يُشرع الجهاد في سبيل الله من العام الثاني للهجرة، وهذا يدحض كل مزاعم كهنة الإرهاب والتشدد من أن الخلافة على صورتها العباسية أو العثمانية تخلق المجتمع الصالح وتقيم دين الله!، بناء المجتمع الصالح يكون بالدعوة والرحمة والتسامح، وبعد ذلك تتشكل الدولة بالطريقة التي تناسب العصر والمصر وفق شؤون

الظروف والعصور.

إن رشد المجتمع والناس كان قبل إقامة الخلافة الراشدة التي زكاها رسول الله صلى الله عليه

وسلم في الحديث، فلا الخلافة دليل رشدٍ وصلاح!، ولا عدم وجود الخلافة دليل كفر وفجور، إنما المقياس الإسلامي هو إقامة العدل

والأخلاق الفاضلة، ووجود الحاكم العادل الصالح والمسلم الذي يسلم العباد والبلاد من لسانه ويده.

ولقد صدق هذا الحديث ما جاء في واقع التاريخ أن المسلمين حكموا في أكثر تاريخهم بالملك العضوص والملك الجبري، ومع قيام دولة الخلافة في عهد الأمويين وفي عهد العباسيين وفي عهد العثمانيين.

كثيرًا ما ظلم الناس وضاعت حقوقهم وانتهكت محارم الله!

وعند مراجعة خطب ودروس شيوخ السلفية والإخوان، لا تجد شيخًا منهم إلا ويغازل الشباب

بالخلافة الإسلامية!، ولذلك لا بد من الانتباه إلى أن صناعة الإرهابي تتخذ أطوارًا ويشترك فيها جماعات، وليس جماعة واحدة، كل مرحلة لها شيوخها وفقهها وآلياتها.

وكل هؤلاء تشبعوا بتفسير الظلال لسيد قطب الذي يسقط هذه المفاهيم والمنطلقات باحتراف

ويبلور فكر أبو الأعلى المودودي لقمة فكرية سائغة، ففي فترة الثمانينيات والتسعينيات انتشرت أشرطة الكاسيت لهذا النوع من الشيوخ،

وكانوا يسوقون لهذه الأفكار ولسيد قطب خاصة لما يسمونها: (عقيدة الولاء والبراء) بطريقة تسوق الشباب إلى الالتحاق بالتطرف دون وعي وفكر.

وقد قامت الجماعات المتطرفة بالتكفير استنادًا للفهم الخاطئ لعقيدة الولاء والبراء، حيث انتشر التكفير بين

أفراد تلك الجماعات، ويمكن رصد عدد من المقولات المنسوبة لسيد قطب في عقيدة الولاء والبراء، حيث يقول في كتابه: "في ظلال

القرآن" (إنه لا يجتمع في قلبٍ واحد حقيقة الإيمان بالله وموالاة أعدائه الذين يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم فيُتَوَلون ويُعرِضون - يقصد بأعداء الله المجتمع.. ومن ثم جاء هذا التحذير الشديد، وهذا التقرير الحاسم بخروج المسلم من إسلامه، إذا هو والى من لا يرتضي أن يحكم كتاب الله في الحياة، سواء كانت الموالاة بمودة القلب، أو بنصره، أو باستنصاره).

كما فسر سيد قطب الآية القرآنية (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس

من الله في شيء) بقوله (ليس من الله في شيء لا في صلة ولا نسبة ولا دين ولا عقيدة، ولا رابطة ولا ولاية، فهو بعيد عن الله، منقطع الصلة

تمامًا).

ومما تقدم يتضح أن "سيد قطب" يعد ممن أصل بقوة لعقيدة الولاء والبراء، إلى حد الانحراف في الفهم والتأويل، حيث قسّم البشر إلى قسمين حزب الله وحزب الشيطان، مما أدى إلى شيوع أفكاره لدى الجماعات المتشددة، وكان لأفكاره دور بارز في تشكيل الفكر الأيديولوجي لتلك الجماعات.

فترى الجماعات المتشددة أنه بسبب عدم تطبيق الشريعة في العالم الإسلامي، فإنه لم يعد العالم إسلاميًا، وعاد إلى الجاهلية، ولكي يعود الإسلام، فالمسلمون بحاجة لإقامة "دولة إسلامية حقيقية" مع تطبيق الشريعة الإسلامية، وتخليص العالم

الإسلامي من أي تأثيرات لغيرالمسلمين، مثل مفاهيم "الديمقراطية - الاشتراكية - القومية".

ومما يثير العجب! أن بعض دور النشر العريقة قد طبعت كتاب (في ظلال القرآن) بضعاً وثلاثين مرة طباعةً فاخرة كلها نفدت وانتشرت هذه الطبعات في أرجاء المعمورة، دون أن يكون هناك مصنفٌ واحد لمراجعة أفكار سيد قطب في الظلال او في بقية كتبه بنفس المستوى من الطباعة والتسويق!!

إن جهودنا الفكرية في الرد على منطلقات الإرهاب الفكرية لا بد أن تكون جادة وعلى مستوى الحرب المفتوحة التي نخوضها محليًا وعالميًا...

وهذا لن يكون حتى يتم الاعتماد على رجال المهام من علماء الأزهر الشريف وليس رجال الكلام!!، فمقاومة الإرهاب فكريًا يحتاج إلى خطاب فكري يشتبك مع الأفكار المغلوطة ويدحضها ويقطع الطريق أمام تجنيد الشباب للالتحاق بهذه الأفكار، وكل ذلك في إطار خطط استراتيجية علمية جادة.

ومما يؤسف له أن الخطاب الديني الآن لا يزال خطابًا وعظيًا شعائريًا بأساليب وآليات قديمة تكافح الإرهاب وتدعم الوطنية في صورة شجب وإدانة في المجمل، فضلا عن كونه فقيرًا في الإقناع وكثيرًا ما يبتعد عن المنطق والتأثير!

اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد،،،

إعلان