إعلان

الثانوية العامة وحلقة المسؤولية المجتمعية

أمينة خيري

الثانوية العامة وحلقة المسؤولية المجتمعية

أمينة خيري
07:23 م الإثنين 22 يونيو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

حلقة المسؤولية المجتمعية متصلة، وإن أصابها كسر أو شرخ، لم تعد حلقة ولم تعد مسؤولية، بل تحول الوضع إلى ما يشبه الغابة. وحلقة المسؤولية المجتمعية في مسألة الثانوية العامة نموذج واضح وصريح.

ونبدأ بقرار الدولة التي قررت أن يتم انعقاد امتحانات الثانوية العامة رغم خطر الفيروس، ومن ثم مسؤوليتها في توفير الإمكانات واتخاذ الإجراءات التي تضمن أكبر قدر ممكن من الحماية لكل الأطراف الضالعة في موسم الامتحانات هذا العام. تعقيم اللجان، توفير الكمامات وسبل التطهير والتعقيم للداخلين والخارجين، قياس درجات حرارة... إلخ، مع تدريب القائمين على تطبيق هذه الإجراءات.

ونضيف إلى ذلك، بالطبع، إجراءات تأمين الامتحانات نفسها، بدءاً بنقل أوراق الامتحان مروراً بسير الامتحانات، وانتهاء بنقل الأوراق إلى مقار التصحيح. ولأننا نجني اليوم ثمار عقود تزيد على الأربعة من إهمال بناء الإنسان نفسه، مع تعاظم المظاهر الإيمانية التي دخلت في سباق محموم مع محتوى الأخلاق فقضت عليها بضربة قاضية، فمن بين المراقبين من يداومون على الصلاة على أوقاتها ويدخلون الحمام بالقدم اليسرى والمصعد بالقدم اليمنى، ولا يجدون بالضرورة غضاضة في أن يتركوا لجانهم "تضرب تقلب"؛ حيث الطلاب يتعاونون في الإجابة.

والأدهى أن منهم من يجد مبرراً لقيامه بدور البطولة في الغش، فتجده يعتبر فعلته الشنعاء "طيبة قلب" منه لمساعدة أبنائنا الطلاب، أو يرفع شعار "أصلها خربانة خربانة ومش هتيجي على دول". بالطبع هناك آلاف المراقبين الشرفاء ما زالوا يعتبرون الغش سبة أخلاقية، ناهيك من كونه حراماً شرعاً.
حرمانية تعريض النفس والآخرين لأخطار جمة بسبب صلف وعناد - لم يفكر فيها كثيرون من الأهل، ولا سيما الأمهات اللائي يتمسكن بعادة المرابطة على أبواب اللجان التي يمتحن فيها الأبناء والبنات.

وإذا كانت هذه عادة عجيبة وغريبة في الأزمنة العادية، حين يكون الابن قد تخرج في "كي جي تو" منذ ما يقرب من 12 عاماً، فإن التمسك بها في زمن الوباء يكون عادة قبيحة وسخيفة.

والعجيب والغريب أن البعض من الأصدقاء يدافعون بشراسة عن حق الأهل في المرابطة أمام اللجان: "مش كفاية الإصرار على إخضاع الطلاب للامتحانات"، "على الأقل يطمنوا عليهم".

هؤلاء الأصدقاء أنفسهم هم من يتهمون "الدولة" بالإخفاق والتهاون حين يتسبب فرح أقيم في بيت بقرية رغم أنف قرارات الحظر في إصابة العشرات بالعدوى.

وهم أنفسهم من يتهمون "الدولة" بالقسوة والظلم لأنها تحرم الغلابة من الفرحة.

وهم أنفسهم الذين سيتهمون الدولة بالتقصير والتهاون حين تتسبب أم مرابطة أمام لجنة ابنها في نقل عدوى الفيروس لكوكبة الأمهات المتلاصقات حولها.

المسؤولية المجتمعية للأهل لا تقل عن مسؤولية الدولة، كل في مجاله. وكذلك المسؤولية المجتمعية للموظفين والعمال القائمين على أمر تأمين اللجان من حيث التطهير والتعقيم وتحقيق التباعد والتأكد من أن الطلاب يرتدون الكمامات بالشكل الصحيح وليس الهيكلي المنسدل أسفل الأنوف.

هؤلاء إن قصروا أو استهانوا أو "لكلكوا" (كعادتنا) في التنفيذ والمتابعة والإبلاغ عن أي تقصير يكونوا قد أخلوا- ليس فقط بواجبهم الوظيفي- ولكن أيضاً بواجبهم في حلقة المسؤولية المجتمعية.

وواجب الإعلام المراقبة والمتابعة والقيام بدور حلقة الوصل بين كل الأطراف.

مهمته ليست الدفاع عن كل ما يصدر من الدولة، سواء كان صحيحاً أو خاطئاً.

ومهمته ليست أيضاً مهاجمة الدولة بغض النظر عن نجاحها أو إخفاقها.

ومهمته ليست إعادة بث ما يدور على منصات التواصل الاجتماعي مع القول "والعهدة على الراوي".

علينا أن ندرك أننا جميعاً في مركب واحد بغض النظر عن خلافاتنا واختلافاتنا.

والوضع على متن المركب لا يحتمل تقصيراً حكومياً أو تربصاً سياسياً أو انفلاتاً شعبياً أو بلادة تنفيذية أو تواكلا من الإعلام التقليدي أو تهاونا في الرقابة.

الوضع على المركب يحتاج الإبقاء على حلقة المسؤولية المجتمعية محكمة.

إعلان