إعلان

الفنان كريم قاسم.. البوصلة الأخلاقية وكورونا

د. أمــل الجمل

الفنان كريم قاسم.. البوصلة الأخلاقية وكورونا

د. أمل الجمل
08:20 م الأحد 14 يونيو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

استوقفتني عدة أمور بالفيديو الذي بثه الفنان كريم قاسم بشأن إصابته بفيروس كورونا، وقدرته على اجتياز تلك الأزمة. يندرج أغلب تلك الأمور تحت عنوان «البوصلة الأخلاقية»، أولها أنه بعد أن شعر بالأعراض بدأ الاتصال بكل مَنْ خالطهم خلال الأربعة عشر يوما السابقة على ظهور الأعراض لديه.

وهو بذلك - إلى جانب الفيديو - يُقدم نموذجاً وقدوة للناس التي تخشى من «الوصمة» أو نظرة الناس إليها والتهرب منها باعتبارها كانت مريض كورونا.

الاتصال كان بهدف أمرين: أن يجعل زملاءه وأصدقاءه وكل مَنْ خالطهم ينتبهون ويستعدون، ومِن ثَمَ يفعلون هم أيضاً بالمثل، ويتصلون بكل من اختلطوا بهم، ليكونوا حريصين في التعامل مع الآخرين، فيعزلوا أنفسهم، ولا يتسببوا في إصابة أحد إن كانوا حاملين للفيروس بالفعل. لذلك شدد كريم في نهاية الفيديو على ذلك واصفاً مَنْ لا يفعل ذلك بأن البوصلة الأخلاقية عنده «مش تمام».

دواء الملاريا

خطوة أخرى قام بها كريم، أنه قرر ألا يذهب لأي مستشفى، وأن يبقى في بيته الذي أقام فيه بعد أن انفصل عن بيت والده المسن حتى يحميه لو حدث وأصابه الفيروس لأنه كان يخرج لعمله، وعندما وقع المحظور أخذ يُنفذ كافة التعليمات الطبية المُوصى بها عالمياً - وهو قابع في بيته - طالما أن حالته لم تصل للمرحلة الحرجة، ولم يكن بحاجة إلى جهاز التنفس الصناعي.

لم يتناول كريم أيا من الأدوية المقترحة عالمياً، لا أدوية الملاريا ولا غيرها لأنه يستوعب جيداً خطورة هذه الأدوية، كما أنها لا تزال في مرحلة التجريب، إضافة لوعيه بأنه لم يصل للمرحلة الحرجة أو الخطيرة التي تستدعي أن يبتلع أيا من هذه الأدوية.

إنه ببساطة يفهم جيداً أن أي دواء ليس فقط له آثار جانبية، ولكنه يحمل سموماً خطيرة للجسم، فأين من ذلك تصرفات كُثر من الناس تزاحموا في هلع على الصيدليات واستحوذوا - من مرحلة مبكرة جدا ومن دون أن يُعانوا من أي أعراض - على كل الأدوية التي كان يتم ذكرها في أي أخبار من دون أن يثبت أنهم سيكونون في حاجة إليها. بل على العكس قد يكون هناك مريض أكثر احتياجاً إليها ولا يجدها.

ضجة الشوسيال ميديا

رفض كريم قاسم تناول أدوية باستثناء باراسيتامول لتخفيض الحرارة وفيتامين سي، ولجأ إلى الكمادات و«الدوش البارد» لتخفيف الحرارة التي كانت تعاود الارتفاع بعد ثلاث ساعات فقط من تناول جرعة الباراسيتامول، أي الاستخدام الواعي الرشيد للدواء.

بنهاية الفيديو، حث كريم أي إنسان مصاب قائلاً: «عندك كحة، إسهال، قيء، صداع خليك في البيت وعالج نفسك، متخدش مكان حد محتاج مكان في المستشفى».

تلك الدعوة تجعلنا نتساءل: لماذا يُصر البعض على أن يتم عزله بالمستشفى ما دام أنه ليس بحاجة إلى جهاز تنفس صناعي؟!

أي مصاب لم يصل لمرحلة عدم القدرة على التنفس يُمكنه التعامل مع الإصابة من بيته باتباع الإرشادات الطبية والغذاء المناسب والصبر والعزيمة.

نقطة الاختلاف

مع ذلك، يُشدد الفنان الشاب على أن التجربة كانت قاسية، وأنها ليست كما يدعي آخرون بأن كورونا «دور برد عادي أصاب البعض في يناير الماضي»، وكريم يُؤكد أنه دور صعب جداً لدرجة أنه شعر بأنه يموت، فالصداع في رأسه كان أشبه «بالنزيف»، وأن درجة الحرارة كانت مرتفعة جدا ٣٩.٥ إضافة إلى تكسير الجسم، والإعياء الشديد.

أما نفسيا، فكان يخشى أن يموت وحيدا، فيكسروا عليه الباب، لذلك ترك المفتاح مع أحد أصدقائه. مثلما فكر في تسجيل فيديو يتضمن وصيته. كانت الأيام الأصعب الرابع والخامس، ثم بدأ التحسن في اليومين السادس والسابع.

لكن هناك أمورا أخرى لم يذكرها كريم قاسم، وأعتقد أنها لعبت دوراً أساسياً، وساعدته في اجتياز هذه التجربة الصعبة، وهي أنه يُواظب علي ممارسة التمارين الرياضة، وقد شاهدته مرات عدة في النادي، ما يعني أنه يتبع نظاماً غذائياً صحياً، وإذا أضفنا إليها أنه لا يتناول الأدوية عمال على بطال، فتكون النتيجة أن جهازه المناعي بخير وهو ما ساعده على عبور المرض، والتغلب عليه.

اختلف فقط مع الممثل الشاب كريم قاسم في رأيه بأنه «ليس ضرورياً كيف حصل على كورونا»، وليس هذا من قبيل الإدانة له، ما دام أنه كان مضطرا للخروج لقضاء التزامات بالعمل، فهو كما يصرح اكتشف الأعراض يومي ١٧ و١٨ مايو!

ماذا أختلف معه إذن؟ لأنه مثلاً الناس التي ذهبت إلى منتجع الجونة في عيد الفطر، عدد كبير منهم أصابه كورونا ثم رجعوا إلى القاهرة فتسببوا في نقل العدوى لآخرين، وليس من فراغ أن يقفز عدد الإصابات يوم أمس ويتجاوز ١٦٠٠ إصابة، ثم تبدأ رحلة البحث عن أسرة في مستشفيات. هؤلاء مع احترامي لأي مريض ومع خالص تمنياتي لهم بالشفاء، لكن كان لا بد - لكل من شارك في حفلات ومراكب جماعية في الجونة - أن يدفعوا غرامة كبيرة ويتم التحقيق معهم، مثلهم مثل أي مصاب بجرعة زائدة من المخدرات، ولا بد أن يكون هذا إجراءً متبعًا مستقبلاً. لأن التصرفات غير المسئولة تعرض حياة أبرياء للخطر، وتزيد العبء على كوادر الأطباء، وعلى الدولة.

بريطانيا والعقل المدبر

وشخصياً أؤيد دعوة النائب الذي طالب بفرض غرامات على مَنْ يُنظمون حفلات الأفراح بمنازلهم أو في الشوارع والحارات. مَنْ يستنكر دعوتي يُراجع ما فعلته بريطانيا، ورد فعل الصحافة والرأي العام خصوصاً مع دومينيك كامينجز، كبير مساعدي بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا - والملقب بالماستر مايند أو العقل المدبر لحملة البريكست، بل يُعد أحد أقوى الشخصيات السياسية في بريطانيا - عندما اخترق قواعد الإغلاق المفروضة لمكافحة فيروس كورونا، إذ بعد يوم من اعترافه بأنه ظهرت عليه الأعراض شُوهد يتنقل بسيارته من لندن إلى شمال إنجلترا بصحبة زوجته الحاملة للفيروس وطفله. وقتها تزايد الضغط الإعلامي في محاولة لجعله يستقيل، فقط لأنه لم يلتزم بقواعد الإغلاق.

أما النائب أو النائبة في البرلمان المصري ممن اقترحوا تأميم المستشفيات الخاصة وطالبوا الدولة بوضع يدها عليها، لاستخدامها في علاج مرضى كورونا.. وهي الدعوة التي التقطها نشطاء على السوشيال ميديا لا نعرف بالضبط من يحركهم، فمع كامل احترامي لهؤلاء النواب أراها دعوة تضر بمصالح مصر، وتغرس الخوف في قلب أي مستثمر، سواء كان أجنبيا أو عربيا أو حتى مصريا.

وكأن كورونا فاجأتنا.. وكأن الدولة لم تُحذر!

وهذه الدعوات المنفرة لها جانبان؛ أولها أنها عنصر طارد لأي مستثمر مهما كانت جنسيته. فما الذي يجعل أي رجل أعمال حتى لو كان مصريا يغامر باستثمار أمواله في أي بلد في العالم، إذا كان يفقد الإحساس بالاطمئنان على أمواله في ذلك البلد، أو لو كان يشعر بأنه سيفقد أمواله أو سيتم تأميم شركته أو مستشفياته بمجرد أن تحتاج إليها الدولة.

الإنسان يستثمر أمواله ليحقق مكاسب لا ليخسر أمواله. من هنا ليس من فراغ الجملة القائلة: «رأس المال جبان».

لا أحد ينكر أن الدولة بحاجة للاستثمار وجذب المستثمرين، ورفع سقف الحوافز المشجعة لهم، وإلا سيذهبون ببساطة إلى دول أخرى، وهناك نماذج عديدة تُدلل على ذلك، ففي مجال الإعلام إحدى القنوات الفضائية عندما فكر أصحابها في البث من مصر، وجدوا أمامهم كثيرا من العراقيل والروتين، فذهبت تلك القناة الوليدة إلى الإمارات، وانطلقت من دبي التي وفرت لها تسهيلات كبيرة. كذلك الأمر مع شركات الإنتاج السينمائية العالمية التي ترغب في التصوير في مصر، فقد كانت كل جهة ونقابة تطالب برسوم وضرائب - على المعدات والأجهزة - مرهقة جدا للشركات فهربت إلى المغرب والأردن، وعدد من تلك الأعمال لم يقتصر على التصوير، وإنما تحول لاحقاً لشراكة إنتاجية.. فهل نُدرك فداحة ما نخسر؟!

أما الجانب الثاني، فيتعلق بمرضى كورونا أنفسهم.. طبعا ربنا يشفي كل مريض، ويرحم الأموات جميعاً لكن عندي تساؤل:

الدولة فرضت الحظر، وظلت تطالب بارتداء الكمامة، وعدم الاختلاط، وتوفير المسافة الآمنة من خلال التباعد الاجتماعي، وحذرت من التجمعات، ومع ذلك عندما تتأمل الناس في الشارع تصاب بالذعر من المشاهد، فالكمامات موضوعة «عِيرَة» لمنع دفع الغرامة، حيث إنها معلقة في الأذنين، وتتدلى تحت الفم أو تحت الذقن، أو تحت الأنف، أو ممسوكة باليد. أو ملقاة في الشارع على الرصيف وعلى الحشائش الخضراء!

أعود إلى فيديو كريم قاسم، ففي ظل التزايد الكبير لمصابي كورونا تتزايد أهمية ذلك الفيديو، فتجربته يمكن أن يقتدي بها آخرون من دون أي شعور بالغبن، أو بأن الدولة تُميز بين الفنان والإنسان العادي.

نحن لسنا أفضل حالا من المنظومة الصحية في بريطانيا. نحن محظوظون لأن الفيروس بدأ متأخرا عندنا، ومع ذلك ومع تحذيرات الدولة، فالملايين استخفوا بالأمر، وواصلوا الخروج والاحتفال، وإقامة الأعراس، وحفلات الزواج، وسرادقات العزاء، وعندما يصيبهم وباء كورونا يصرخون مدعين أن الدولة لا توفر لهم العلاج، وأنها تمارس التمييز.. وحضرتك أين كنت لما الدولة حذرتك ملايين المرات؟!

إعلان