إعلان

  رجل رشيد!

نهاد صبيح

رجل رشيد!

نهاد صبيح
07:29 م السبت 13 يونيو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

علم الرياضيات من أهم وأقدم العلوم على مر العصور؛ لا يرتبط بالأرقام فقط بل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعلوم كثيرة كارتباط الرأس بالجسد، وإن كانت هذه العلوم تمثل أهمية كبرى فيما مضى من الحياة فإنها اليوم تمثل الحياة نفسها.

وعلى الرغم من كل ما قيل، ويقال عن براعة أجدادي القدماء في علم الرياضيات، فإنني للأسف ضعيفة جدا فيه، فبيني وبين الأرقام حالة من التباعد لمسافة تتساوى مع تلك الفاصلة بين السماء والأرض.

وليس الأمر بيني وبين الأرقام يصل إلى حد ما يقال عنه (عدم استلطاف) بل إن الأمر يتخطى ذلك كثيراً إنه يصل إلى حد عدم التآلف والتعارف؛ فأرقام جدول الضرب التي تعرفني قبل أن أعرفها تتوقف عند جدول ضرب الرقم 5، وهذا ما جعلني أعتبر اختراع الآلة الحاسبة هو أفضل اختراعات البشرية.

أما الحديث عن باقي فروع علم الرياضيات فهو حديث بالنسبة لي كالحديث عن غيبيات لا يعلمها إلا الله أو حديث عن أساطير كأمنا الغولة وأبو رجل مسلوخة..!

وكنتيجة طبيعية لما مررت به، وأمر به مع هذا العلم وهذه الأرقام، فإنني أحلم حد الرغبة في عدم الوجود لهذا العلم وهذه الأرقام، وبالتالي يأتي السؤال الساذج:

ما الضرر في أن تصبح الحياة دون علم الرياضيات بأرقامه وفروعه؟!

ما الضرر في ألا يكون هناك أموال؟ ألا تسرق؟! وما الضرر في ألا يكون هناك وسائل نقل؟ ألا تؤدى حوادثها لمزيد من الوفيات؟! وما الضرر في ألا يكون هناك إنترنت كي نستريح من شروره؟! أليس بانتهاء التعامل بالأرقام سينتهي الطمع والجشع والطغيان؟!

ليس هذا فحسب، بل إن كل شيء حولنا سينتهي حد التحول إلى البدائية، بدائية الصحراء الجرداء، ووسط هذا الزخم من التفكير والتخيل والتوهم بأنني أسعى للخير بعينه، تستوقفني الحقيقة المرة مرارة الحنظل:

فيا أنتِ، إلى أي مدى سيصل بكِ هذا الحلم؟ حتما سوف يصل بك إلى هلاك البشرية!

ولماذا كل هذا؟ لأنكِ فقط تكرهين هذا العلم ولا تتآلفين مع فروعه!

هل يمكنكِ تحمل مسؤولية هلاك العالم من أجل رغبة فرد؟! مجرد فرد واحد يرى مصلحته في عدم وجود مال يحبه!

لقد قامت حروب وصراعات كثيرة من أجل حلم أو رغبة أفراد، هم أشخاص بالفعل ولكنهم ليسوا ببشر، رغباتهم وأحلامهم أهلكت إنسانيتهم فأزالتها ومحتها، ومزبلة التاريخ تمتلئ حتى حافتها بأمثلة منهم وهذا ما يذكره التاريخ.

أما عدد من لم يذكره منهم فحدث ولا حرج، إنهم الغلبة من شواذ الفكر والتصرف، الغلبة من أشخاص تفكر وتحلم لفرد وليس لمجتمع، وحتى من يدعي منهم أنه من المصلحين ودعاة السلام، هم في الحقيقة يظهرون غير ما يبطنون فدعواهم نفاق ووسائلهم سمٌ وإن كان في عسل، والأمثلة كثيرة، فهذا داعية يشعل الدنيا من أجل حفنة أموال، فيُقتل من يقتل ويصاب من يصاب، ولا يهم حتى إن أصبحت الدنيا من حوله خرابا

والطامة الكبرى أن يصفق له، ويهلل كل من حوله، ويعينونه على دمار قد يصل بغبائهم إليهم، وهؤلاء هم من أنادي بإفاقتهم.

فأقول لهم، توقفوا عن دعم الأحلام المميتة، توقفوا عن تلبية الرغبات الخبيثة، توقفوا يا قوم... أليس منكم رجل رشيد؟!

إعلان