إعلان

خمسة لقاحات في السباق الأخير لـ"كورونا" (1/2)

د. عبدالهادي مصباح

خمسة لقاحات في السباق الأخير لـ"كورونا" (1/2)

د. عبدالهادي مصباح
07:00 م الخميس 28 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لعل علم المناعة الحديث ومعظم نظرياته التي نعرفها الآن يرجع الفضل في اكتشافها أو لفت النظر إليها إلى العالم الفرنسي "لويس باستير"، وقد كان هذا العالم غاية في الذكاء، إلا أن الحظ كان محالفًا له في نفس الوقت ليثبت أن الصدفة لا تأتي إلا لمن يستحقها، ففي إحدى تجاربه التي كان يجريها على الميكروبات والجراثيم وعلاقتها بالأمراض، ترك باستير مزرعة لميكروب "كوليرا الدجاج" على الرف في معمله وذهب لقضاء إجازة، وبعد عودته من الإجازة وجد أن هذا الميكروب قد فقد فاعليته وقدرته على إحداث المرض، ليس هذا فحسب، ولكن إذا تم حقن الدجاج بالميكروب الطازج الحي بعد ذلك فإنه أيضا لا يحدث المرض، وذلك نتيجة تكون نوع من المناعة ضد هذا الميكروب وما يحدثه من مرض.

ومن هذه التجربة عرف العالم هذا النوع من التطعيم بالبكتيريا المضعفة أو المقتولة لإحداث نوع من الوقاية أو الحماية ضد المرض، وأطلق "باستير" على هذا النوع من الحماية لفظ Vaccination أو التطعيم وهو مشتق من كلمتي Vaccus=cow أو البقر وبقية الكلمة نسبة إلى الطبيب "إدوارد جينز" الذي لم يعترف العالم بعمله وهاجموه قبل ذلك، وذلك اعترافًا بفضله في الوصول إلى هذا الاكتشاف.

ومن خلال هذا الكشف استطاع "باستير" الوصول إلى حقائق عديدة خاصة بوسائل إضعاف البكتيريا واستخدامها في التطعيم والأمصال، فقد اكتشف مثلا أن بكتيريا "إنثراكس" العصوية عندما تحقن في الأرنب فإنها تفقد فاعليتها وقدرتها علي إحداث المرض حين تحقن بعد ذلك في الخنازير، وذلك رغم أنها تصبح أكثر شراسة وفتكًا عندما تحقن في الحمام، ثم تحقن في الخنازير بعد ذلك، وهذه البكتيريا التي تصيب الماعز والغنم والبقار، وتنتقل منها إلى الإنسان أمكن لـ"باستير" أن يصل إلى الأسلوب الأمثل لإضعافها، وعمل تطعيم مناسب منها يمنع الإصابة بالأمراض الخطيرة التي تنقلها.

وكان التطعيم ضد مرض "الكلب" أو السعار من أشهر وأنجح ما وصل إليه "باستير" في مجال اكتشاف التطعيمات عام 1885، وتمكن من إضعاف فيروس السعار بعد حقن الأرانب به، ثم أخذه من خلايا مخ الأرنب أو الغنم وحقنه مضعفًا في الإنسان الذي عضه الكلب أو الحيوان المصاب بالسعار، ورغم أن هذا الأسلوب كانت له مضاعفاته الجانبية الخطيرة، فإنه يعتبر اكتشافًا مثيرًا ورائعًا للوقاية من مرض مميت كان الوصول إليه ضربًا من الخيال، وقد تم تعديل هذا الأسلوب في تحضير وإضعاف فيروس السعار أو مرض "الكلب"؛ لتقليل حدوث مثل هذه المضاعفات.

تاريخ اكتشاف اللقاحات والأمصال

في عام 1888 اكتشف العالمان "إميل روي" و"ألكسندر يرسين" أن السائل المأخوذ من مزرعة للبكتيريا التي تسبب مرض الدفتريا يحتوي على السموم التي تسبب كل أعراض مرض الدفتريا إذا دخلت إلى الجسم.

وفي عام 1890 اكتشف "فون بهرنج"، و"كيتاسوتو" أن حقن الحيوانات بهذا السائل الذي يحتوي على سموم ميكروب الدفتريا أو التيتانوس سوف ينتج عنه أن المصل المشتق من دم الحيوان يمكنه أن يمنع حدوث أعراض هذه الأمراض.

ثم اكتشف نفس هذين العالمين في عام 1892 و1894 أن حقن هذا المصل في الأطفال المصابين بالدفتريا أو التيتانوس يعالج هؤلاء الأطفال ويشفيهم من أعراض هذه الأمراض، ومن هنا أطلق على هذا النوع من الأمصال "مضادات السموم" أو Anti

-toxins، وقد تبين أن هذا المصل يحتوي على ما يسمى بالأجسام المضادة Antibodies وهي عبارة عن قذائف مدفعية يطلقها الجهاز المناعي، والتي نتجت من وجود الجزيء المعدي للميكروب والمسمى بالأنتيجين Antigen، ولعل هذه التجارب الأولية التي أجراها "باستير وروي ويرسين وبهرنج وكيتاسوتو"، هي التي يرجع إليها الفضل الأول في اكتشاف التطعيمات المختلفة التي نستخدمها بصورة روتينية اليوم؛ لمنع انتشار الأمراض والأوبئة مثل: "شلل الأطفال والدفتريا والتيتانوس والحصبة والإنفلونزا والسعال الديكي"، وغيرها.

ولعلنا نرد الاعتبار للعالم الذي أنكر العلماء عمله ورفضوه في ذلك الوقت وهو "إدوارد جينز" حين نقول: إن تجاربه التي أجراها للوصول إلى تطعيم ضد الجدري عام 1798 كان لها الفضل الأكبر في الوصول إلى التطعيم الذي قضى نهائيًا على مرض الجدري وهو من أقدم الأمراض التي عرفت على مر التاريخ، والذي أصيب به الملك أمنحتب الثاني والملك رمسيس الخامس منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام، وقد تمت معرفة ذلك من خلال الفحص الذي أجرى لمومياء جلالته في أمريكا، والذي أظهر أن جثته بها بثور الجدري الذي يترك أثرًا دائمًا لا يزول أبدًا، وكانت آخر حالة للجدري في العالم هي التي سجلتها منظمة الصحة العالمية عام 1977 لشاب أفريقي في الصومال، وبعدها اختفى الجدري بفضل التطعيم من العالم كله.

وقد مات "رمسيس الخامس" بالجدري، وليس "رمسيس الثاني" الأكثر شهرة، والذي تم فحص موميائه في باريس، إلا أن "رمسيس الثاني" لم يصب بالجدري رغم أنهم عزلوا من موميائه 159 نوعًا من البكتيريا والفطريات والفيروسات والطفيليات المختلفة، وكان "رمسيس الخامس" قد مات بالجدري وهو في العشرينيات من عمره، وقد تم أخذ عينة من كتفه حيث كانت البثور الدائمة التي يتركها هذا الفيروس اللعين، وأرسلت إلى جامعة ميتشجان في الولايات المتحدة، وتم تشخيص المرض هناك، وكانت إصابته تلك في عام 1145 ق.م، إلا أن المفاجأة هي أن مومياء "رمسيس الخامس" ليست أقدم مومياء بها آثار العدوى بفيروس الجدري، ولكن مومياء "أمنحتب الثاني" هي أقدم هذه المومياوات التي بها البثور الدائمة الدالة على الإصابة بالجدري، وكان ذلك عام 1447 ق.م، في عهد الأسرة الثانية عشرة.

وحيث إن آخر حالة جدري في العالم سجلتها منظمة الصحة العالمية كانت في عام 1977 فإننا بذلك نكون قد احتجنا إلى 3424 عامًا؛ للتخلص من فيروس واحد هو الجدري بينما ظهر لنا خلال الخمسين عامًا الماضية ما يزيد على ثلاثين نوعًا من الفيروسات الجديدة التي لم نكن نعرفها.

ويمكن أن نلخص تاريخ التطعيمات المختلفة ومكتشفيها كالآتي:

عام 79 ق.م: اكتشف الرومان أن أكل كبد الكلب المصاب بالسعار يمنع الإصابة بعدوى المرض.

القرن الحادي عشر وحتى الخامس عشر: الأطباء الصينيون والأتراك يكتشفون أن بثور الجدري يمكن استخدامها تطعيمًا لمن لم يصابوا بالوباء.

عام 1796: اكتشف الطبيب الإنجليزي "إدوارد جينر" وسيلة تطعيم ناجحة ضد الجدري باستخدام تطعيم جدري البقر.

عام 1885: اكتشف "لويس باستير" تطعيمًا ضد مرض الكلب أو السعار.

عام 1890-1904: اكتشف "إميلي فون بهرنج"، و"كيتاسوتو" تطعيمًا ضد الدفتريا والتيتانوس، وعلاجهما من خلال مضادات السموم.

عام 1900: اكتشاف تطعيم ضد الكوليرا والتيفود.

عام 1914: أصبح تطعيم التيتانوس متداولا لعامة الناس.

عام 1920: اكتشاف تطعيم ضد الدرن.

الثلاثينيات والأربعينيات: إنتاج تطعيم الدفتريا والحمى الصفراء لعامة الناس.

الخمسينيات: اكتشاف تطعيمات ضد السعال الديكي.

1955-1960: اكتشاف أشكال مختلفة من مصل شلل الأطفال بواسطة العالمين "سولك" و"سابين" عن طريق الحقن ثم عن طريق الفم.

الستينيات: اكتشاف تطعيم ضد الحصبة والحصبة الألمانية.

1968: اكتشاف تطعيم ضد الغدة النكفية.

السبعينيات: اكتشاف تطعيم ضد الحمى الشوكية والجديري المائي.

1978: اكتشاف تطعيم ضد الميكروب المسبب للالتهاب الرئوي.

الثمانينيات: اكتشاف تطعيم ضد فيروس الالتهاب الكبدي الوبائي النوع "ب"، وتطعيم MMR ضد الحصبة والحصبة الألماني والغدة النكفية معًا في حقنة واحدة.

التسعينيات: اكتشاف تطعيمات حديثة ضد الإنفلونزا ومحاولات للوصول لتطعيم ضد الإيدز والملاريا.

2000- 2020: الوصول إلى تطعيمات حديثة ضد الحمى الشوكية وفيروس "روتا" المسبب للنزلات المعوية، وفيروس الالتهاب الكبدي الوبائي B، وفيروس HPV المسبب لسرطان عنق الرحم والمبيض، وغيرها من اللقاحات الحديثة والأمصال.

ونستكمل الحديث إن شاء الله في الأسبوع القادم.

إعلان