إعلان

"ريستارت": إعادة الابتداء في الخلق والموارد

محمد حسن الألفي

"ريستارت": إعادة الابتداء في الخلق والموارد

محمد حسن الألفي
07:01 م الثلاثاء 21 أبريل 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ما يحدث لأربعة مليارات من البشر في توقيتات متباينة، تتزامن وتتفارق حسب الموقع (والفاعل واحد، هو الفيروس الخفي) والتداعيات الكونية - هو أمر يحتاج لنظرة أشمل من مجرد متابعة التعداد اليومي لمن أصيب، ومن توفي، ومن تعافى، ومن تحول من إيجابي إلى سلبي.

لماذا؟

النظرة الكلية، الفوقية، ليست استعلاءً على التفاصيل، ولا هي ابتعاد بالخوف ولا القلق بهدف حفظ البدن من عدوى البلاهة المتفشية جنبا إلى جنب مع تفشي الجائحة، رغم أن ذلك واجب ومطلوب، بل طريقة عملية للتعرف إلى الشكل العام للكوكب والمصير الذي سوف ينتهي إليه.

ماذا تقول الصورة كما يراها الشيطان من علُ..؟!

هذا الكوكب آمن بي إيمانا أعمى، ولم تفلح صلوات المؤمنين في ردع نسلي من أبناء البشر.. وكما وعدت الله؛ فإنهم مسوقون إلى جهنم معي، لن أدخلها وحدي.

هذه نظرة كلية غيبية، وهي كما ترون سهلة وممتعة ومثيرة للأخيلة، بل يمكن أن تقنع السواد الأعظم من الدهماء والغوغاء، ومن مثقفين امتلأوا بالترهات أعلاه!

ماذا إذن؟

لا شيء. سنرتفع، ونرى من أعلى بعيون التحليل الإنساني الرؤية الشاملة لسلوكيات البشر من المحكومين ومن الحكام، والصراع على الموارد.

حتى هنا، ومع إعلاء قيمة ومنهجية النظرة الكلية التحليلية، سنجد أنفسنا مسلمين بالمتلازمة الغيبية.

هذه المتلازمة تفرض نفسها بالضرورة؛ لأن الحادث حاليا في الدول الغربية الكبرى القوية مالا وعتادا وعقولا وفنونا وافتراءً وجبروتًا، وفي الصدارة منها الولايات المتحدة - يجعل العقل يطرح الفرضية التالية:

هل يعيد الله برمجة الكوكب؟

هل يعيد الله توزيع الموارد؟

هل عملية إعادة الابتداء أو إعادة البرمجة تقع دوريا على رأس كل مائة عام؟

هل ضاقت بنا رحمة السماء، وتجري الآن عملية "فرمتة" كاملة، تعقبها طريقة شعور وتفكير وتعامل مختلفة، حتى وإن بقي البشر كما هم ولم يفنوا تماما؟.. من لا تجذبه الجزئيات إلى الكليات هو صرصار مفكر .

من الجزئيات إلى الكليات كان- ولا يزال كذلك- منهج المطورين الباحثين عن حلول تعيد التوازن بين الدين والشهوات والمطامع والمصالح. بين الدين والدنيا بطبيعة الحال؛ فإن أرقام الموتى الحالية هي أقل من أرقام من قضوا بسبب الحربين العالميتين الأولى والثانية، وبسبب الطاعون. وبسبب الكوليرا، وبسبب الأنفلونزا الإسبانية (مات ملايين).

المغزى ليس في عدد المتوفين، وندعو الله ألا يزيد، بل في التداعيات الاقتصادية الزلزالية التي تقلب الآن، وفي اللحظة التي أحدثك فيها - الهرم الاقتصادي الدولي، وما سيترتب على ذلك من إعادة تسكين البلطجي الأول في العالم والنزول به للدرجة الثانية في أحسن التقديرات تفاؤلا: الولايات المتحدة!

الاقتصاد الأوروبي يتلقى ضربات موجعة يتصدع منها، والشركات العالمية تترنح، والملايين يفقدون وظائفهم، والتريليونات تسحب من الخزائن الكبرى، ويمتصها الكورونا والجوعى والعاطلون ..

ثم الانهيار التاريخي الصادم لخام البترول الأمريكي تعاقدات مايو والتي تنتهي اليوم. بيعت مجانا وعليها ٣٧ دولارا لمن يشترى. المستودعات والخزانات امتلأت، وتغرق فيها أحلام ترامب بفترة ولاية ثانية.

تبدو ضربات القدر متتالية، وبلا هوادة للرئيس الأمريكي ترامب، وللاقتصاد الأمريكي الذي استرد قوته في عهده بالتهديدات والابتزاز، واصطناع الحروب والمعارك بين الدول والأقاليم.

واليوم سقطت شركات أمريكية سقوطا مدويا، وأغلقت مئات الألوف من الوظائف، وتترنح إدارة ترامب كما لم تترنح إدارة أخرى، تحت إيقاع فيروس خفي خطير حقير.

العالم ما بعد الوباء مخيف؛ لأن عملية "الفرمتة" شاملة بكل المقاييس.. وبيدٍ إلهية.

إعلان