إعلان

كيف نجعل العالم حزينا ؟ عندما يفضل الجمهور الأخبار السلبية

د.هشام عطية عبد المقصود

كيف نجعل العالم حزينا ؟ عندما يفضل الجمهور الأخبار السلبية

د. هشام عطية عبد المقصود
07:00 م الجمعة 20 مارس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يتصفح الفرد صفحات السوشيال ميديا هذه الأيام فتمنح الحياة لونا كابيا وظلا ثقيلا، حيث معدل انتشار الأخبار السلبية عن أزمة وباء الكورونا فى الكون كثيفا وسريع التواتر، يعبر عن مزاج عام وانتقاءات سلبية تماما فى الأزمة.

المشكلة ليست فقط فى تتبع رواد منصات التواصل الاجتماعى المتعددة حالات الإصابة، لكن يبدو هذا النمط الإنتقائى السلبى يتوسع نحو مدارات غير معهودة بنشر موسع بل والمبادرة لترجمة تقارير عن حال مجتمعات أخرى تحيل التواصل سوادا.

تسأل لماذا ينخرط كل هؤلاء فى نقل وشرح و"تشيير" تلك الأخبار من كل العالم، وهل يتابع الجمهور أو يفضل متابعة الأخبار السلبية أو المثيرة للقلق والمخاوف كنمط عام؟ ما تمنحه البحوث من إجابات هنا وخارج سياق هذه الأزمة أن نعم وأن ذلك هو الحال فى الأحوال العادية، ثم أن ذلك يزداد فى فترات تصاعد المخاوف والقلق والأزمات بمعدل أكبر مهما أبدى الجمهور ظاهريا ضيقا من ذلك.

يلقى البعض بالمسئولية على تغطية وسائل الإعلام عامة، لكن هنا تظهر وتعود مقولة كلاسيكية قديمة لغرف صناعة الأخبار بأن ألف طائرة تهبط بأمان ليست قصة يفضلها الجمهور ويتابعها لكن طائرة واحدة لم تهبط بأمان تفعل ذلك، بمعنى أن هكذا تمنح الأخبار الجمهور ما يريده.

لكن تأثير هذا التيار من الأخبار السلبية ليس عابرا أو بسيطا، حيث تتوافر أدلة تؤكد أن طبيعة المحتوى الخبرى السلبى المكثف يؤثر بوضوح على الصحة العقلية للفرد، وحيث أشارت دراسة غربية أن تلقى وتعامل الجمهور مع تيار من الأخبار السلبية يمكن أن يجعله أكثر انغماسا فى مشاعر الحزن والقلق بل أن ذلك يسرع من وتيرة المخاوف الشخصية ويضخمها.

بل وتوثق دراسة أخرى أن مشاهدة ثلاث دقائق فقط من الأخبار السلبية في الصباح من المحتمل أكثر بنسبة تبلغ 27 ٪ أن تجعل من يراها يصف يومه كئيبا ومزعجا مقارنة بمن يتابع محتوى إيجابى.

عليك أن تقارن ذلك بما يفعله الجمهور "الطيب" ببعضه البعض من توصيل ضفيرة الحزن بفولت الأخبار السلبية ثم تبادل الضخ والتلقى والشير عبر صفحات السوشيال التى تحولت إلى مقر معتم وكهف سوداوى نادرا مايخالطه ضوء.

يرى البعض أنه لا جديد وأن الأمر طبيعى تماما ويتسق مع دورة حياة البشر وعاداتهم، وأن المسألة ليست فى كون البشر يفضلون متابعة وتدوير الأخبار السيئة فهم ليسوا مرضى عقليين ليفعلوا ذلك، ولكنه منحى التعامل مع أزمة لاينفلتون من وجودها، وتحملها أنباء من كل العالم، وأنه أثناء فترات الأزمات وخاصة مع تعاظمها وخطورتها واتساع رقعتها ومشاركة الجموع فيها كونيا، يدفعنا ذلك نحو تبنى آليات دفاعية هى تتبع الأخبار السلبية، دعما لحياتنا ومواجهة لمخاطر ومخاوف التعرض لما هو سلبى من أثرها بنقل خبرات وتجارب الآخرين ممن تعرضوا لها وكيف تعاملوا معها وما حدث لهم خلالها.

بمعنى أن سعة الاطلاع عليها ونشرها ربما من وجهة النظر هذه هو من ضمن آليات دفاعية ذاتية ومجتمعية غير واعية، وتتم بتلقائية لبناء احترازات ومواقف واجراءات دفاعية، ويفسر البعض ذلك بأنه استجابة فردية تلقائية ليقين الخوف من المستقبل الذى يعتمل فى داخل كل فرد ويحرك دوافعه فى وقت الأزمات لتلقى السلبى والاستعداد له.

يشبه ذلك أن يرد البعض على سؤال لماذا تتابع ذلك بالقول ساخرا هل سأتابع وأهتم وأقوم ببث ومشاركة أخبار تقول أن الطريق الذى أمر به كل يوم وأعرفه مازال شجرته التى تنتصفه فى مكانها؟.

البعض يضع المسئولية فى احتشاد الميديا الغربية بهذا الكم من التغطية السلبية إلى مقتضيات الصناعة ويفسر دورة الأخبار السيئة الكثيفة التى تحتل الشاشات وواجهات مواقع الأخبار بأنه ليس رغبة الجمهور، ولكنه الدافع التجارى وآليات جذب وتنافس الشبكات والمواقع مع بعضها البعض، ودليل ذلك مقارنات أجراها البعض بين محتوى الشبكات والقنوات الإخبارية الخاصة هناك بمحتوى الشبكات العامة فيما يتعلق بنشر الأخبار السلبية عن كورونا وغيره والمقارنة أكدت أن الشبكات العامة المملوكة للدولة فى الغرب أقل كثافة فى طرح السلبي.

وفى تفسير آخر محدود النطاق ربما لغرابته يرى البعض أن متابعة بعض أفراد الجمهور بكثافة للأخبار السلبية تتضمن نوازع نفسية وربما ذات طبيعة "خاصة"، حيث تستدعى حالة من الارتياح غير الواعى داخله بأن الفرد ليس محل ذلك الشئ السئ الذى يشعر به آخرون.

كذلك هناك تأثير فى كثافة ضخ السلبى من الأخبار ينجم عن عملية جمع معلومات نشاط وتفاعل المشاركين على منصات السوشيال ميديا وما يجمعه جوجل ومحركه من تفضيلات المتابعة للأخبار السلبية ثم تغذية هذه الدورة من المتابعة، فتستمر دورة الشجن التى لن تكون قادرا على تحملها وحدك فترسلها لمن يتحملها معك.

لكن يظل دوما هناك حد، هو التشبع وحيث تتغلب داخليا مقولة "نحن جميعا سواء" ثم "لا فارق" حين يصل بك مدى مطالعة الأخبار السلبية حد الرفض التام أو عدم التأثر، هنا تنطلق دورة عكسية تماما تندفع بقوة نحو مساحات البحث عن الترفية والرغبة فى تجنب وقراءة ومتابعة السلبى حتى فى أشد الأزمات والمواقف ضيقا.

وربما يكون صالحا هنا القول بأن هناك دوما أحداث ووقائع سيئة فى كل العالم تحدث منذ قديم الأزل وعلى مدار الزمان، وأن ذلك يتم نقله للجمهور عبر الأخبار، وأن ذلك دورا إعلاميا مهما وربما أيضا يعبر عن حاجة لدى الجمهور لمعرفة كل مايحدث فى الكون، بما فى ذلك من أخبار سلبية ربما بدواعى الفهم والحذر والاستعداد، لكن يظل أن متابعة ذلك طوال الوقت بحيث يكون نمطا هو الغباء والسوء ذاته.

إعلان