إعلان

مجتمع الكلاكس !

محمد حسن الألفي

مجتمع الكلاكس !

محمد حسن الألفي
09:00 م الثلاثاء 11 فبراير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الكلاكس هو صوت السيارة... والكلام هو صوت سائق السيارة، الآدمي العاقل أو الآدمي الأحمق.

كذلك الكلاكس هو عاقل أو أحمق. قوة الصوت في حالتي الكلام الآدمية والكلاكس الآلية تعتمد على قوة الحنجرة.

للسيارة أيضا حنجرة وأسلاك وقوة تفجير لوحدات القياس السمعي. وحنجرة الكلاكس تختلف بالطبع... من حنجرة المرسيدس إلى حنجرة الوحش الديناصورة الطلوقة في شوارعنا وطرقنا.

باختصار، نحن في مجتمع يزأر، ويجأر بالشتائم وبالصراخ وبالجنون. ليس الوضع عارضا، لكنه قديم، ثم تأزم بفعل رياح شريرة فوضوية عاتية تشمل الجميع، أطاحت بقيم المودة والذوق والصوت الهادئ.

في بيتك، يسقط الهدوء بمجرد صراخ زوجتك، أو صراخك. صراخ الأولاد مقدور عليه، لأنه لا ينطوي على قرارات نكد أو هدم كتلك التي تنتج إذا تبادلت وزوجتك الصرخات واللكمات.

في الشارع لا يسقط فقط الهدوء، لأنه لا هدوء قط في شوارعنا، بل يتمزق العصب الشخصي لكل مواطن ماشٍ على قدميه أو داخل سيارته.

المجتمع المتحضر يتحدث فيه الناس بذوق وبصوت خفيض يلتمس الإعجاب والإقناع والتأثير وترك الانطباع الحميد. الشخص الذي عقيرته كلاكس يصنف في فئة البيئيين... بيئة!

للأسف والأسى البالغين فإن أحدا لم يعد يهمه أين يقع تصنيفه، مهما كانت فئة السيارة التي يقبع بداخلها كأنها درعه الحامية.

حالة الكلاكس العامة تعكس مجتمعا في ضجر وفي زهق وفي انهيار عصبي، ويحتاج التهذيب. لا تجد أبدا سببا يقنعك بأن الشخص الذي في السيارة التي خلفك مجنون أو عابث أو... سوى صرخة كلاكساته الحادة الممتدة المتواصلة.

تنظر إليه في المرآة متعجبا من أنه يريد أن يدفعك دفعا إلى الإطاحة بالسيارات المتراكمة أمامك، وهو لا يفهم أن سيارتك لم تحصل بعد على أجنحة وموتور طائرة... فيشيح بوجهه عنك متأففا، ويلوح لك بذراعيه أن شهل، واتصرف، وامرُق بين أرتال السيارات.

عادة أرد على هذا النوع من المخابيل بأن أنقر مرات عديدة بسبابتي على جانب رأسي عند الحاجب الأيمن، في إشارة متسائلة عما إذا كان لديه ذرة من العقل. أقول له أنت مجنون... اعقل شوية!

ويصبح الجنون مضاعفا إن كان الكلاكس لسيارة نقل مترامية الأطراف... يقبع عاليا بداخلها صرصار متوحش مبرشم... يعتبر الكلاكس نغمات لجحش من جحوش"الغثاء" الشعبي... للمطرب حموقة فرتكة، والمطربة المشتعلة دخان "حرقاهم"!

هذه كلها أعراض مجتمع فقد أعصابه، وفقد ما يردعه. الردع عادة يتم بالدين، ويتم بالعرف، ويتم بالقانون المنفذ. الدين تدين شكلي... مفضوح لأن السلوكيات تعاديه، وتنقضه، وهو منها بريء. العرف مات، وتعفن... أما القانون، فلا ينفذ إلا بالإلحاح ومطاردته !

حين تسقط أدوات الضبط الاجتماعي من دين حقيقي وعرف معمول به وقانون نافذ لا يتبقى مما أنت فيه سوى الاعتراف والتسليم بأنك صرت من سكان الغابات حاليا.

حين يعيش الآدمي في شوارع تركض فيها حيوانات في صورة بشر تحت ملابس متباينة الأذواق والأسعار، تجمعهم الروح الهمجية، فإنه سيضطر إلى مجاراة الآخرين، ويتحول بدوره إلى حيوان هائج صارخ شتام بلطجي !

الردع بالقانون... يجعلنا مواطنين.

غياب القانون رخصة للفوضويين... والمجانين .. وحناجر الكلاكسات العاتيات .

إعلان