إعلان

حرب الشائعات على المصريين

د. أمل الجمل

حرب الشائعات على المصريين

د. أمل الجمل
09:01 م السبت 04 يناير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تتعدد أشكال وأنواع الحروب النفسية على الأفراد والشعوب والدول. الشائعات والأكاذيب إحدى وسائل تلك الحروب القذرة. ترويج الشائعات موجود منذ القدم، لكن العصر الحديث شهد تطورا بحجم الطفرة التي صنعتها مواقع التواصل الاجتماعى.

الشائعات في الأساس تستهدف إثارة غضب المواطنين، أو تجعلهم يفقدون الثقة بأنفسهم، وفي قياداتهم، وفي مؤسسات دولتهم. الشائعات، الذكي منها يستخدم حقيقة ومعلومة مؤكدة لصنع أكذوبة. من بين ما يُساعد على انتشارها أن الدول لا تنفيها في التو واللحظة، وربما لن تكذبها إلا بعد وقت غير قصير.

يناقش تلك القضية الخطيرة بأبعادها المختلفة الشاعر والإعلامي أحمد خالد في أحدث مؤلفاته «حرب الشائعات على المصريين» الذي يقع في اثني عشر فصلاً، والصادر عن كتاب الهلال. استمتعت بقراءته، ثم حضرت مناقشة ثرية عنه بمكتبة القاهرة الكبرى بالزمالك، قدم لها ياسر عثمان، مدير عام المكتبة، وتحدث فيها العميد أركان حرب خالد فهمى، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، الباحث في الشئون التاريخية والسياسية، كذلك الكاتب الصحفي خالد ناجح، رئيس تحرير مجلة ورواية وكتاب الهلال الذي يستحق الإشادة بدوره لنشر مثل هذا الكتاب، وأدار الندوة الشاعر عماد عبدالمحسن، مدير عام النشاط الثقافي والفني بقطاع شئون الإنتاج الثقافي، والحقيقة أنه وضع نقطة نظام حاسمة لإدارة الندوة بشكل راقٍ؛ حيث كان من الممكن أن تنقلب المناقشة إلى فرق متناحرة؛ بسبب بعض الآراء المختلفة المتحفزة حتى من قبل أن تقرأ الكتاب، لكن عبد المحسن بمرونة وذكاء وقدرة على امتصاص غضب البعض وآرائهم الحماسية أخذ الندوة في طريقها السليم من دون أن يمنع أحداً من الحديث، فكانت أمسية دافئة رغم برودة الطقس.

مقدمة استفزازية

يستهل الشاعر ومؤلف الكتاب أحمد خالد عمله بمقدمتين؛ أعتقد أن الأولى، أو ما أطلق عليه «المُفتتح» كان سبباً في اتخاذ البعض موقفاً ضده، وتكوين رأي سلبي؛ لأن أصحاب هذا الرأي لم يُكملوا القراءة. لماذا؟

لأنه استشهد باقتباسات عديدة من كلمات وخطب للرئيس عبد الفتاح السيسي عن الشائعات وأغراضها، وأهمية أن يتصدى لها المصريون، خصوصاً أنه يصعب منع أو إلغاء مواقع التواصل الاجتماعي. ومنها مثلاً حديثه «واجهنا ٢١ ألف شائعة في ٣ شهور.. الشائعات تستهدف تفجير الدول من الداخل».. «إنهم يعمدون إلى الحرب النفسية.. وإلى حروب الشائعات.. بهدف تكوين صورة ذهنية غير حقيقية.. تستقر في وعي المواطن.. لتحبطه.. وتهدم ثقته في نفسه.. وفي دولته وقيادته».

تلك المقدمة أوحت للبعض أن المؤلف سوف ينحاز لطرف ضد آخر، لكن المتتبع فصول الكتاب وتفاصيله، والشائعات التي رصدها أحمد خالد، وأسلوبه في تفنيدها، بشكل بسيط عقلاني مُقنع- يتأكد له وبوضوح أنه ليس مع طرف ضد آخر، وأنه لا ينحاز لهذا أو ذاك، وهو يحسم أمره بوضوح قائلاً: «موقفي من الشائعة قد يختلف عن موقفي من موضوعها، أرفض الشائعات تماما فهي حرب مدمرة على المصريين، لكن حين تجدني أتصدى وأفند شائعة يدور موضوعها حول برنامج الحكومة في الإصلاح الاقتصادي كرفع الدعم مثلا، فهذا لا يعني أنني ضد أو مع رفع الدعم. أنا لا أعلن عن رأيي هنا في الموضوع الذي تستهدفه الشائعة، إنما أريد أن أكشف عما تحاول أن تهدمه الشائعة في عقول وبالتالي تفكير المصريين وفى قلوب وبالتالي مشاعر المصريين، وفى الوحدة الجمعية للمصريين، وبتشتيتهم بين ما هو حقيقة وبين ما هو شائعة».

دخان بلا نار

إن أسلوب المؤلف في طرح أفكاره بالكتاب هو درس للمتلقي، للتدريب على التفكير العقلاني إزاء الشائعات، وكيفية تفنيدها منذ الوهلة الأولى لتلقيها، وهو أسلوب صحي للتعايش مع تحديات مواقع التواصل الاجتماعي التي صارت المصدر الرئيسي لترويج الكثير من الأكاذيب.

يستهل الشاعر ومؤلف الكتاب أحمد خالد بمقدمة يتساءل فيها:

«هل هناك دخان بلا نار؟»

ثم يُجيب: «نعم، هناك، وهناك الكثير!».

للتدليل على فكرته يستشهد بواقعة قتل فتاة على يد والدها بسبب ترويج شائعة حملها سفاحاً، ثم أثبت الطب الشرعي بعد الوفاة أن الفتاة كانت عذراء. من هنا يؤكد خالد: «الشائعة قتلت ابنة، فلذة كبد، وبإمكانها أن تهدم مجتمعات وتشرد أوطانا، يمكنها أن تزور التاريخ، وتبدل الجغرافيا، بل يمكنها أن تسرق الماضي، كما تفعل إسرائيل بمحاولتها تهويد التراث المصري والفلسطيني والعربي عموما.. فقد قامت إسرائيل بجمع ما يربو على أكثر من عشرين ألف حكاية شعبية متداولة ونسبتها إلى التراث اليهودي».

تطعيم المدارس

ثم يستعرض المؤلف محاولات إسرائيل في التمهيد للسرقة والاستيلاء بالشائعات، فهي تزعم أن جحا يهودي، وأن الفول والطعمية في الأصل "أكلة يهودية".. فالشائعتان الآن جزء من يقين ما في الجامعات ومعاهد البحوث الإسرائيلية، ومنها إلى الاعتراف البحثي العالمي، الشائعتان صارتا حقيقتين.

يتناول الكتاب شائعات عديدة في مختلف التخصصات: الصحة والزراعة والآثار، وأكل وشرب المصريين وتراثهم، وأهرامات الجيزة وأبو الهول، وبدهشة مستنكرة يتساءل: «هل من المعقول أن تطلق شائعة عن تنفيذ الدولة حادثة قطار محطة مصر؟ ثم ينطلق محللاً الشائعة الخاصة بتطعيمات تلاميد الابتدائي، وتفنيد مغزاها والهدف من ورائها. فالتطعيم الهدف منه خلق «أجيال مستقبلية قوية خالية من مسببات الضعف الجسماني أو الإنساني، لكن مروج الشائعة يريد طفلك مصابا بتلك الأمراض، يريد أن يمنعك من تصحيح وضع وتهيئة مستقبلك، لا يريد لك ولا لطفلك تصحيح واقع ولا تصحيح مستقبل.. فهل هذا إنسان؟».

هروب تمساح

يتطرق أحد الفصول للشائعة المضحكة عن هروب تمساح من حديقة الحيوان.. ويضع علامات استفهام: «لم يسأل أحد نفسه كيف هرب التمساح، كيف خرج من مكانه أمام الجميع، وتجاوز مكانه ثم الحديقة قبل أن يعبر إلى ميدان النهضة حيث جامعة القاهرة المكتظة بالطلبة أي مكتظة بحاملي الموبايلات. فلم يتزامن مع الشائعة نشر أي صورة أو أي مقطع فيديو».

ثم يواصل المؤلف ربط الخيوط ببعضها، فيكشف أن الشائعة جزء من حملة على وزارة الزراعة، موضحاً علاقتها بحديقة الحيوان، وحملات سابقة، من دون أن يُدافع المؤلف عن الوزارة، ثم يعقبها بشائعة بيع حديقة هابي لاند المنصورة بالمزاد العلني، وغيرها من الشائعات المغرضة.

مارينا الأثرية والأكابر

هناك أيضاً ترويج بعض الشائعات عن وجود علماء آثار يهود في بعثات التنقيب، خصوصا في سيناء، ثم شائعة رصف شارع المعز بشكل مشوه جمالياً.. فيدين المؤلف الذين وقعوا في فخ الشائعة، خصوصا من مثقفين وأثريين وصحفيين وشعراء وأدباء وفنانين، لأنهم لم يحاولوا الاستبانة أولا، ولكن كيف يتأتى هذا، والحكومة كعادتها تتأخر في الرد على الشائعات؟! فلم ترد على الشائعة إلا متأخرا، وبعد انتشارها بيوم أو يومين، موضحة، أن الصورة ليست لشارع المعز وإنما لشارع الوزير، والرصف ليس ضارًا بالشارع، وإن كان غير متناسب مع الشارع، لكنه ضروري لحمايته لحين البدء في التطوير وتركيب البازلت.

كذلك لا يغفل شائعة مارينا الأثرية وبيعها للأكابر.. ومنها ينطلق إلى شائعات تستهدف الأكل والشرب، مثل الطماطم والبطاطس، ثم السمك والأرز والبيض الصيني البلاستيكي، والتي انطلقت بالتوازي مع الإعلان عن مشاريع سمكية، وأخرى لزراعة الأرز لتحقيق الاكتفاء الذاتي.

صناعة القلق

ثم يُخصص الفصل الخامس للحديث عن الشائعات ودورها في صناعة القلق. الكتاب الذي يختتم بـ«الفنكوش» من بين أهم فصوله المعنون بـ«وطن بدون أهرامات»، وكذلك الفصل السابع الذي يُكرسه للشائعات التي استهدفت الانتقام من سيدات يونيو.

في أسلوب تشاركي كأنه يتعمد توريط القارئ معه في الوصول للنتيجة، يعتمد أحمد خالد على تفنيد الشائعات بوضع علامات استفهام عديدة، تسحبنا إلى أرضه لنفكر معه، مثلما يستعرض أنواع الشائعات وتعريفها، والعوامل التي تقف وراءها. وأسباب انتشارها.. مثل «انعدام المعلومات، وندرة الأخبار بالنسبة للشعب، ومن هنا كانت مناداة البعض بضرورة تزويد الشعب بجميع الأخبار التفصيلية والدقيقة الممكنة»، ثم يستشهد برأي للخبير الأمني اللواء عصام نصار "محددا أسسا لمواجهة حرب الشائعات، هي:

1- سرعة تحليل مضمون الشائعة.

2- التعامل مع مصدر الشائعة بالرد الحازم الذى لا يقبل التأويل.

3- توعية المواطنين بخطورة تناقلها.

4- فضح حقيقة من ينشرها أو يتحدث عنها.

5- التعاون مع الإعلام في كشف حقيقة الشائعة.

لماذا؟ لأن الشائعات لها أضرار اقتصادية.. فبعيدا عن آثارها على المواطنين، فإن «الرد على الشائعة يستلزم جهدا ووقتا مطلوبين في أمور أخرى، وهذا من أخطر الآثار السلبية للشائعة في تأثيرها على طريقة ونوعية العمل في دولاب مهم هو مركز المعلومات».

والأهم أن الشائعة تقتل حتى المعارضة.. فالمعارضة السليمة و«السلمية» تعتمد على أرقام ووقائع تعضد من واقع حال، وتهدف إلى تغييره بطرح بديل مستند على تفكير منطقي معضد بأرقام ووقائع، وهو ما لا تفعله الشائعة، وقد وضع المؤلف المعارضة بالشائعات في مصاف المعارضة المسلحة، فالكلمة تقتل أكثر مما يقتل الرصاص، لذلك استخدم لفظ «سلمية».

إعلان