إعلان

اليوجا.. وتقنية التأمل التجاوزي

د. عبد الهادي مصباح

اليوجا.. وتقنية التأمل التجاوزي

د. عبدالهادي مصباح
09:00 م الخميس 16 يناير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

انطلقت تقنية التأمل التجاوزي في العالم منذ حوالي خمسين عاماً على يد حكيم من الهند اسمه "مهاريشي ماهش يوجي"، ومهاريشي -الحائز على ماجستير في الرياضيات والفيزياء- قد تتلمذ على يد معلم كبير من معلمي الفيدا يدعى "جوروديف"، وعلوم الفيدا هي من أقدم العلوم الموجودة، إذ يعود تاريخها إلى أكثر من خمس وعشرين ألف سنة. وتتكون الفيدا من أربعين فصلاً وكل فصل منها له عدة أجزاء، ومن أحد فصول علوم الفيدا توجد اليوجا، ومنها توجد تقنية التأمل التجاوزي، وعندما أطلق "مهاريشي" تقنية التأمل التجاوزي لم يكن يعلم أن هذه التقنية سوف يتم اعتمادها من قبل الفئات العلمية التي تعمل على اكتشاف طاقات الإنسان، خاصة تلك الفئات العلمية التي اتبعت خط "ألبرت أينشتاين" وصولاً إلى اكتشاف "الحقل الموحد" ونظرية "دستور الكون". ومع كل هذه الإثباتات العلمية حول منافع التأمل التجاوزي على كافة المستويات، وتلاشت أي شكوك أو انتقادات حول فعاليتها.

وبحسب هذه التقنية هناك سبع مستويات للوعي في البشر هي: 1- حالة النوم 2- حالة الحلم 3- حالة اليقظة 4- حالة الوعي الصافي 5- حالة الوعي الكوني 6- حالة الوعي الكوني الممجد 7-حالة الوعي الأحادي، ولا تتطلب تقنية التأمل التجاوزي أي جهد في ممارستها، فهي تقنية فكرية، تمارس لمدة عشرين دقيقة مرتين في اليوم وتؤدي إلى تهدئة النشاط العقلي، وارتياح الفكر، ونتيجة لذلك يكسب الجسم راحة عميقة تساعده على التخلص من الإجهاد stress، ونتيجة لذلك يكسب الإنسان المنافع على كل مستوياته الحياتية ومنها: تنمية الطاقة العقلية، وتحسن الصحة، وتحسن السلوك الاجتماعي، والسلام الكوني.

ولقد أظهرت الدراسات العلمية هذه المنافع الكبيرة، التي تساعد الإنسان في الترقي في مستويات الوعي الأسمى، فالإنسان يستطيع أن يعيش في عدة حالات من الوعي في الوضع العادي، ونعيش ضمن ثلاث حالات من الوعي، وهي حالة النوم، وحالة الحلم، وحالة اليقظة، وفي كل حالة من هذه الحالات الثلاث للوعي، تكون وظيفة العقل والجسم مختلفة عن الحالة الأخرى.

ففي حالة النوم مثلاً يكون العقل غير فاعل والجسم غير فاعل، أما في حالة الحلم فيكون العقل فاعلاً والجسم غير فاعل، وفي حالة اليقظة يكون العقل فاعلاً والجسم فاعلاً، إلا أن هناك عدة حالات من الوعي التي يستطيع الإنسان أن يعيشها، وهي الحالة الرابعة للوعي التي يستطيع الإنسان أن يختبر حالة لا محدودة من الوعي تدعى: الوعي الصافي أو الوعي التجاوزي، ثم هناك الحالة الخامسة وهي ما تعرف بالوعي الكوني عندما يصل الإنسان إلى استخدام طاقاته الفكرية بشكل تام، أي أن يعي ذاته الكلية.

ثم الحالة السادسة للوعي، حالة الوعي الكوني الممجد، التي يكون فيها الإنسان قد طور كامل قدراته الإدراكية، فتتجلى له الحياة حوله بحقيقتها الساطعة، ويدرك مستوى انبثاق الطاقة الكونية بكل مجدها في كل شيء في الوجود، ومن ثم يصل إلى الحالة السابعة للوعي وهي حالة الوعي الأحادي التي يعي فيها الإنسان أن كل موجودات الكون هي ليست سوى تعبير متنوع عن الطاقة الكونية الواحدة، فيكون قد اختبر أحادية الوجود في تنوعه.

ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن المخ كالعضلات.. يزداد قوة بالتدريب، فما أن ينهي الإنسان العقد الثالث من عمره حتى يبدأ في السحب من رصيد احتياطي قدراته العقلية، إذ تقل القدرة على تجديد الدوائر العصبية التالفة، ومع التقدم في السن يبدأ نشاط المخ في الأفول، فتتأثر الذاكرة والتركيز والتفكير والتناغم والمهارات الاجتماعية، لذلك تنفق شركات الأدوية مليارات الدولارات للبحث عن "ينبوع الشباب الدائم الكيميائي" من أجل تأجيل هذا التدهور بقدر الإمكان.

وإذا كانت التدريبات الجسدية تحافظ على صحة أجسامنا بل وتحسن منها، وتؤخر الشيخوخة البدنية، فهل يمكن للتدريبات العقلية أن تحافظ على صحة عقولنا في النواحي العقلية والنفسية والروحية، وأن تقدم بديلا للعقاقير يكون أفضل نتيجة وأرخص ثمناً وأكثر أمنا؟

ومن أجل دراسة ذلك الأمر قام العديد في مراكز أبحاث الطب النفسي في العالم بإجراء الدراسات العلمية على أداء المخ وتحسين قدراته باستخدام تدريبات معينة، ومن اشهر المراكز المهتمة بهذه الأبحاث "مركز الدراسات الروحية والعقلية" التابع لجامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة، والذي يتراسه د.أندرونيوبيرج Andrew Newberg أحد مؤسسي علم البيولوجيا العصبية للتدين Neurotheology ( وهو علم جديد متخصص في دراسة الأسس العصبية البيولوجية للتدين)، وهو في نفس الوقت أستاذ للأشعة التشخصية ومحاضر في أقسام الطب النفسي والدراسات الدينية بجامعة بنسلفانيا، ويخبرنا د. نيوبيرج أن المركز قد قام بمراجعة مئات الدراسات الطبية والعصبية والنفسية والاجتماعية المهتمة بتأثير التدريبات العقلية على أداء المخ، فوجدها تتفق في نقطتين جوهريتين: الأولى: إن الممارسات الدينية والروحية - ولو بقدر بسيط - تًحسن من الصحة ومتوسط العمر، ما لم يصحبها التركيز على صورة الإله ذي البطش وما يصحب ذلك من تطرف ديني.

الثانية: إن الممارسات الدينية والروحية الأطول، مع التأمل العميق، تحسن بشكل دائم الوظائف العصبية لمناطق عديدة من المخ، ويصحب ذلك تقليل التوتر والاكتئاب، وتحسن من تعاطفنا وعلاقاتنا مع الآخرين، وتحسن أيضاً من القدرات العقلية والنفسية، وتزيد من التحكم في الانفعالات والتوتر والغضب، وعلى أقل تقدير تعطي المرء نظرة متفائلة للحياة، وفي النهاية تؤخر التغيرات الضارة في المخ المصاحبة للتقدم في السن.

وسوف نعرض الدراسات والتدريبات المعتمدة في "مركز الدراسات الروحية والعقلية جامعة بنسلفانيا"، والتي أقرتها العديد من المراكز البحثية المحترمة، ونهدف من عرضنا هذا إلى:

1- إثبات أنه يمكن بالممارسة تعديل بيولوجيا المخ، بشكل يحسن من أدائنا الجسدي والعقلي والروحي والديني والنفسي والاجتماعي.

2- تقديم التدريبات لمن يبغون الالتزام ببعضها، خاصة أنها يسيرة وفي متناول اليد، كما يمكن وضعها في أي منظومة لممارساتنا الدينية والشعائر.

3- إظهار جوانب التوافق بين معظم هذه التدريبات وبين الكثير من طقوس عباداتنا، مما يؤكد أن هذه العبادات قد جاءت مسايرة لفطرة الانسان ومراعية لاحتياجاته البدنية والعقلية والنفسية والروحية.

4- ونمهد لهذه التدريبات، بأن نذكر أن المركز قد أكد على أهمية الغذاء الصحي المتوازن مع الاعتدال في تناوله، وعدم الشره، كما ركز على أهمية النوم الطبيعي (بدون منومات) بقدر احتياج الإنسان مع الاهتمام بالنوم فترة قصيرة في منتصف النهار(القيلولة)، وقد أظهرت الأبحاث أن حرمان فئران التجارب من النوم الطبيعي، بحيث تحرم من فترة نوم حركات العين السريعة التي نرى أثناءها أحلامنا، قد انتقص من متوسط أعمارها بين 2-3 سنوات!

5- كما اهتم المركز بدراسة تأثير الكافيين، فوجد أن فنجانين من القهوة يوميا (200 مجم كافيين) يساعدان على تحسين الوظائف العقلية / كاليقظة والتعلم والذاكرة، وأيضا الحالة المزاجية، وإذا كان لهذه الجرعة تأثير في إطالة العمر، فالجرعات الأعلى ضارة، ويصلح الشاي (الأسود والأخضر) بديلاً للقهوة، ويزيد عليها في أنه يخفض ضغط الدم المرتفع لما يحتوي عليه من مادة الثيانين التي تحسن أيضا الوظائف المعرفية.

6- كما أوصى المركز أيضا بالإكثار من شرب الماء.

ويمكن تقسيم هذه التدريبات إلى مجموعتين: الأولى لتحسين صحتنا الجسدية والعقلية والنفسية، والثانية لتحقيق التسامي الروحي واستشعار السكينة، وسوف نتناولها بالتفصيل الأسبوع القادم إن شاء الله.

إعلان