إعلان

تشريح الأزمة الليبية: القاهرة روما موسكو برلين !

محمد حسن الألفي

تشريح الأزمة الليبية: القاهرة روما موسكو برلين !

محمد حسن الألفي
09:00 م الثلاثاء 14 يناير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إلى روما سافر المشير حفتر، وفايز السراج، الأول وطني يحرر بلاده، والثاني عميل يبيع بلاده. ولم يلتقيا وجها لوجه، لكن جرت المباحثات مع رئيس الوزراء الإيطالي، وبعدها مباشرة غضب المصريون من أفراد الشعب، لقبول حفتر وقف إطلاق النار اعتبارا من منتصف ليل السبت الماضي، وسافر حفتر لموسكو التي قررت التوسط لحل الأزمة الليبية. طرف التفاوض كان حفتر. والطرف الثاني كانت تركيا بوزير دفاعها ووزير خارجيتها مع السراج. والوسيط وزير دفاع روسيا ووزير خارجيتها.

تسربت مسودة الاتفاق وروعت الناس ببند الانسحاب المتبادل لقوات الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر، وقوات الميليشيات المأجورة التابعة لحكومة فايز السراج. مع الوقت ظهرت تصريحات بأن الجيش الليبي لم ولن ينسحب خطوة واحدة. مع الوقت طلب حفتر مهلة للغد للتفكير. غادر موسكو دون أن يوقع الاتفاق الذي كان من شأنه إهدار دماء الشهداء في معركة طرابلس وسرت.

فشل إذن مؤتمر موسكو بحضور وزيري دفاع وخارجية موسكو وتركيا .

والحق أن هذا الفشل سيلاحق أيضا مؤتمر برلين الذي سيعقد الأحد القادم، وسيضم الأطراف كافة بمن فيهم مصر الفاعل الرئيسي في المشهد الوطني الليبي، باعتبارها المتضرر الأكبر من فشل الدولة الليبية ومن التواجد العسكري التركي على التراب الليبي، مما يهدد حدودنا الغربية معها .

لماذا ذهب حفتر؟

لماذا ذهب وحيدا؟

لماذا غادر، ولم يوقع؟

ولماذا راهن بوتين علي نجاح وساطته في ضم الغريمين والذهاب لمؤتمر برلين ليقدم بزهو وثيقة الاتفاق للمستشارة الألمانية ميركل؟

الإجابات :

ذهب حفتر استجابة للضغوط في روما ومن موسكو، وحتى لا يبدو أمام المجتمع الدولي ساعيا للحرب وتقويض إعادة بناء الدولة الليبية. وذهب وهو مدجج بالأهداف التي لن يحيد عنها، وبالمطالب التي ستكون موسكو منصة دولية قوية للإعلان عنها وإحراج حكومة العملاء في طرابلس .

لماذا ذهب وحيدا؟

الحقيقة أنه لم يكن وحده ولا وحيدا، فقد عاد بعد التشاور مع الدول الداعمة للمطالب الوطنية الليبية، وعلي رأسها القاهرة والإمارات..

لماذا لم يوقع؟

غاب عن مسودة الاتفاق سحب القوات التركية، وغاب عنها تحديد جدول زمني تفصيلي لتفكيك ميليشيات طرابلس وآلية وتوقيتات تسليم الأسلحة إلي الجيش الوطني الليبي. ورفض حفتر أن تتولى تركيا الإشراف على وقف إطلاق النار، كما رفض حفتر أي وساطة تركية وطالب بأن يقتصر الأمر على روسيا ودول عربية. وطالب حفتر حكومة السراج بعدم توقيع أية اتفاقيات دولية دون الرجوع إلى الجيش الليبي. رفض السراج هذا المطلب، لأنه مدان أساسا بتوقيع اتفاق أمني اقتصادي مع تركيا، ولو وافق فإنه سيسقط هذا الاتفاق، ويؤكد إدانته لنفسه. ورفض حفتر عدم إدراج بند تجميد الاتفاق العسكري بين أنقرة والسراج في الوثيقة.

جاء رد الفعل التركي محموما حانقا، إثر مغادرة حفتر موسكو. والعودة إلى بنغازي. وصفه أردوغان بالانقلابي وبالهارب، وهدد بتلقينه درسا إن واصل العدوان علي طرابلس. وبرر وجود تركيا في ليبيا بالتاريخ وبالسياسة وقال إن الذين لا يعلمون سبب وجودنا في ليبيا جاهلون بالسياسة والتاريخ!

تلك هي الصورة التفصيلية للوضع.. وتبقى عدة ملاحظات جوهرية :

أولها أن القاهرة كانت الغائب الحاضر، ولم يكن هناك تعليق سياسي حول مفاوضات موسكو دون الإشارة للموقف المصري وصلابته في دعم الجيش الوطني والحفاظ علي وحدة واستقلال الأراضي الليبية، وكذلك زيارة رئيس الوزراء الإيطالي لمصر وإجرائه المشاورات مع الرئيس السيسي، والمعلوم أن وزير الخارجية سامح شكري في مفاوضات بواشنطن حول مراوغات إثيوبيا في سد النهضة .

ثانيها أن قبول حفتر- فرضا- انسحاب القوات الليبية الوطنية عن الأراضي التي حررتها في سرت وطرابلس كان سيقود لانقسام لا رأب له في صفوف الجيش، وإسقاط شرعية القيادة عن خليفة حفتر، لأنه يعني إهدار دماء الشهداء والتخلي عن انتصارات استراتيجية جوهرية لقاء وثيقة ربما لن تصمد طويلا.

ثالثها أن هذه المفاوضات برمتها، بل هذه الحرب برمتها، لها أساسها- الغاز في شرقي المتوسط .

رابعها أن العلاقة النفعية مد وجزر بين موسكو وتركيا كانت وراء استدعاء الدور الروسي للمشهد الليبي ودعوة الأطراف لتفاوض تحت رعاية بوتين، ولا يغيب عن الاعتبار أيضا دعم بوتين نسبيا لموقف حفتر.

استفادت موسكو، إذن، من الحضور التركي في ليبيا لإزاحة الحضور الأمريكي. خطأ أمريكي تكرر. فعلها أوباما في سوريا فتقدمت روسيا وملأت الفراغ الاستراتيجي، والآن فعلها ترامب.. وترك المبادرة لموسكو مشغولا بإيران وحرب الديمقراطيين لعزله!

يتبقى، إذن، مؤتمر برلين لحل الأزمة الليبية التي تهدد ليس فقط مصر، بل أيضا الاتحاد الأوروبي والجنوب منه علي وجه أخص، لأن دواعش سوريا باتوا في ليبيا.. ومن هناك يسهل تسللهم للحوض الأوروبي الجنوبي.

مراقبون وصفوا مؤتمر برلين بالميت قبل أن يولد !

ما الحل؟

القتال .

إعلان