إعلان

إماطة الأذى عن العقول

أمينة خيري

إماطة الأذى عن العقول

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 17 يونيو 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إرث آلاف المدارس الدينية التي نشأت تحت أعين الدولة، وملايين العائدين من دول اعتنقت نسخًا بالغة التطرف من التدين، فاعتنقوها أكثر ما اعتنقها أهلها، والآلاف من أدعياء الدين الذين اكتسبوا لقب "شيخ" من بوابة الجلباب القصير والشبشب واللحية المشعثة، واعتلوا المنابر، وخطبوا في الملايين، وأغدقوا عليهم من فيض الجهل بفتاوى لا تمت بصلة لإنسانية فما بالك بعقيدة ربانية، وفتح أبواب "بزرميط" الدولة الدينية التي ترتع في كنف ما يفترض أنها دولة مدنية؛ حيث جلسات أحكام عرفية هنا، واعتبار الجاني ذي المظهر المتدين مجنيًا عليه هناك، ورفع راية الحرية الشخصية لنشر ملامح ثقافية لا تمت لنا بصلة وبث معالم رجعية ونثر نكهات قبح وظلام وسواد في كل ركن من أركان المحروسة تحت شعار الالتزام والتدين الفطري (وهما من القبح والبشاعة بريئان) هنا وهناك يتفجر في وجوهنا اليوم ونحن بلا حراك؟!

الحراك الذي دار في مصر منذ أحداث يناير 2011 شغل قلوبنا وعقولنا مؤقتًا عن اكتشاف حقيقة ما جرى في مصر وللمصريين على مدار سنوات حكم الرئيسين الراحل السادات والأسبق مبارك.

مواءمات الحكم مع جماعات الإسلام السياسي سواء تلك الرافعة شعار "الإسلام هو الحل" أو "تبرع يا أخي المؤمن ويا أختي المؤمنة لبناء مسجد" أو "اكفل أسرة مسلمة مكونة من أب وأم وسبع أبناء وبنات" أو "عايز أختي كاميليا" وأبناء عمومهم وأخوالهم- نجم عنها فوضى ثقافية واجتماعية شاملة، وهي فوضى ظلت كامنة تحت ركام سنوات طويلة من حكم الرئيس الأسبق مبارك، حيث كل يرتع في مجاله.

جماعات الإسلام السياسي تستثمر في الملايين، تسمنهم وتعالجهم، وتعلمهم، وتبث في عقولهم وقلوبهم سمومها الفكرية، وحوائط الصد الفكرية والثقافية تنهار، وتتحلل أمام المد الثقافي القادم مع العائدين من هجرات اقتصادية طويلة وقصيرة، وفساد ينمو ويتوغل سواء بنهب الثروات من قبل الكبار أو بالسكوت وربما مباركة ضياع الهوية بل كراهية الجذور المصرية واعتبارها كفرًا وعفنًا.

ولنتذكر دائمًا تأكيد الناطق الرسمي باسم الدعوة السلفية- عبد المنعم الشحات الذي وصف الحضارة الفرعونية بـ"العفنة"، ومجاهرته بمشاعره الرقيقة التي تمنعه من الفخر بصور الفراعنة المنقوشة على الجدران؛ لأنها عارية، وذلك بحكم أن أولئك لا يرون في النقوش التي تبهر العالم على مدار آلاف السنوات سوى العري ما يعكس أولوياتهم ويفضح فكرهم.

ومضى مسلسل السنوات الماضية؛ حيث تُرِك الشعب تتقاذفه أموال هؤلاء وفساد أولئك، ولم ينجُ منهم إلا من رحم ربي.

وتبدو ملامح التشوه التي أصابت المجتمع المصري واضحة جلية هذه الآونة. تقوم قومة السكان طلبًا لرفع صوت الأذان، وحبذا بث الصلوات عبرها ليهتدي الضالون، ويرتدع المارقون، لكن لا تهتز لهم شعرة لمعايشتهم تلال القمامة التي تحيط بالمسجد، وتزين سلم العمارة، وتتراكم في منورها.

يهرع كثيرون للدفاع عن "قدسية" دعاة و"كهنوت" مشايخ إن شكك أحد في أثر بعضهم في بث الفتنة بين المسلمين والمسيحيين وتزكية العنصرية والفوقية لدى البعض بناء على خانة الدين.

لكنهم في الوقت نفسه لا يتحرجون من السخرية من رجال الأديان الأخرى، وبالطبع معتقداتهم وبالمرة أتباعها ومن يؤمن بها، فهذا حلال.. حلال.

ينتفض السكان لدى تسمية شارع باسم زكي رستم أو صلاح ذو الفقار؛ لأن هؤلاء "رقاصين" ويطالبون بعملية إحلال وتبديل وإطلاق اسم الدعاة والمشايخ الذين اكتسبوا صفة "القدسية" على أياديهم بدلاً منها.

وتتكرر الانتفاضة، حين يتقرر إطلاق اسم شهيد مسيحي على مدرسة أو شارع. لماذا؟

لأنهم متدينون بالفطرة، ولأن هناك من أصابهم بمرض جنون العظمة.

ببساطة شديدة، تمكنت سياسات العقود الأربعة الماضية من صناعة طوائف وتخليق ملل في داخل المجتمع المصري، فهذا مسلم درجة أولى لأنه يلعن سلسفيل من يخالفه في العقيدة، وتلك مسلمة سوبر لوكس؛ لأنها ترتدي النقاب، وهؤلاء موعودون بالجنة لأنهم يدخلون الحمام بالقدم اليسرى، ويرددون دعاء الركوب في الأتوبيس، وأولئك مصيرهم جهنم، لأنهم يدعون إلى دين جديد اسمه التنوير والتجميل وإماطة الأذى عن العقول.

إعلان