إعلان

أن تتفرَّج في رمضان فلا تقول منتشيًا "يا سلام" ..

د. هشام عطية عبد المقصود

أن تتفرَّج في رمضان فلا تقول منتشيًا "يا سلام" ..

د. هشام عطية عبد المقصود
12:02 م السبت 25 مايو 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يبدو أنه في فلسفة مشاهدة المسلسلات الحكمة هي أنه لا صوت يعلو على تتابع الحلقات، هكذا ربما يرى الأمر بعض صناع الدراما وبعض أصحاب الشاشات، إدراكا منهم أن المواطن الذى تطارده درجة حرارة تزيد عما عرفه واعتاد عليه في الزمان سوف ينطلق بعد صوت الأذان وما يليه من تناول الماء والتمر والرمان، ممتلئا متخما ليتنسم قليلا بخريطة المسلسلات على البرامج والقنوات، متلقيا مسترخيا متقبلا.

لكن بعد فوات الكثير من أيام وليالي شهر الخير، سيجد البعض يحدث نفسه فيقول: ها أنا قد تابعت الكثير، لكن ليس هناك شيء كبير، لا إبهار زائد ولا تأثير، فلن تجد ذلك المسلسل الكبير المهيمن، والذى يفرض بقوة حضوره أن يجتمع عليه مختلف الفئات مشاهدة ومتابعة، وبينما تتواجد إلى جواره المسلسلات الأخرى كمشهيات متاحة لمختلف الأذواق ولمختلف القطاعات، غياب هذا المسلسل المركزي الذى يجمع غالبية المشاهدين أمر ليس باليسير ولا يجدر أن يعبر من الأذهان بخفة الطير، إذ إنه يصنع تفتت المشاهدة كحالة إجمالية، ويمنحها طابعها دوريا واعتياديا لدى فئات المشاهدين الصغار في العمر، وكان هذا المسلسل الكبير في سالف الزمان والمكان جامعا لألفة الأذواق.

والأمر ليس ببدعة مصرية بل إن منه لطبائع كونية، في هوليود البعيدة التي تصنع مسلسلات ذات مشهيات كوكبية يجتمع عليها عموم سكان الأرضية، من الباسيفيك للأطلنطيك، ومن سكان بحر الشمال وبرده إلى أهل أحراش الاستواء وحره، وهذا لعمرك من دواعي الحياة والسياسة واللطافة أيضا، والفوائد جمة والمكاسب هامة في أن يلتف البشر في عموم أسقاع الكرة الارضية على محتوى واحد يشاهدونه معا ويتابعونه سويا، فيجمع في ألفة وقرب بين ناطقي الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والعربية والأردية والجرمانية وما سوى ذلك من لغات ولهجات فرعية في الأسقاع البرية والبحرية.

هذا المسلسل الكبير أراه ضروريا ليجمع بين الذائقات العربية من المحيط إلى الخليج وما بينهما من مصبات وبحار، كما الطبق الرئيسي على مائدة الإفطار ينال منه كل الجالسين شيئا مشتركا وتظل إلى جانبه دوما تلك الأطباق الفرعية المتسجيبة للتنوعات، وهو أمر ربما يصنع مهمة ووظيفة اجتماعية كانت دوما ضمن دور الدراما والتليفزيون باعتباره شاشة الإنسان العائلي وليس كما شاشة الموبايل التي هي شاشة الفرد المتوحد الذاتي.

أول ما سوف يلفت أسئلة عقلك في متابعة الصنعة الدرامية هو إلى أين ذهبت الافكار والتيمات الحية بالعلاقات والتفاعلات الواقعية الإنسانية؟ والتي لا تتوسل سوى بالإبداع وسلاسة الطرح والجديد، فالكوميديا من المسلسلات تبدو غالبا خالية من الكوليسترول الصحي، فلن تبتسم إلا لماما وربما لجبر خاطر ذاتك التي أجلستها منتظرا فيض الضحكات، حيث بعض كوميديانات وقد تعودوا على نقل عبارات الشارع إلى المسرح فلما وقفوا في عمل درامي أمام الكاميرات تاهت ملامحهم وغابت قريحتهم وهبط عليهم جمود الفكرة والشخصية، ربما عشوائية تمثيلهم المسرحي هي أغلب بضاعتهم، حيث لا نص ولا موقف درامي ولكن كما حوار أصدقاء الشوارع والنواصي فورية وصاخبة بالضحكات و"التأليشات".

فإذا تركت حيز قنوات العصر والأوان، ورجعت إلى سالف ما كان، سيمنحك مشاهدة ماسبيرو زمان خيط وصل ترى فيه بعض أحوال البرامج والدراما، وفيما يخص الدراما ستبهرك بساطة وتلقائية وجودة الصنعة، اختيار ينحاز للإنسان في الموضوعات والتيمات، تترى بمواقف من أحوال البيوت والناس، أقرب لما تعرف وتألف من مواقف وحكايات، خالية من عنف جم ومن حزن جم أيضا، لا تتوسل بزعيق ولا بمجاوزة واقعية بشرية، لتعبر عن معايش الناس في الشوارع والحارات، أحوال الناس العادية، الطبقة الوسطى المصرية بشرائح وتقسيماتها وبأحلامها ويومياتها وأزماتها، وحيث لا تنحاز الدراما لحلول في الحياة لا تتأسس على جهد وعمل وإصرار.

أيضا سترى بعض ما يسرك فمثلا سترى الكابتن مدحت شلبي مذيعا مبتدئا ومقدما لبرامج يستضيف ويسأل ويصنع محاكمات لنجوم الفن والنجمات، كما ستجد الكابتن شوبير حين كان لاعبا ضيفا حاضرا في برنامج مسابقات للمذيع طارق حبيب، يغني مقطعا طويلا لمحمد رشدي "وفى ليله طار الحمام .. واااااه" بما يصاحب ذلك ويقتضيه من أداء درامي.

هامش:

واستهل رمضان سنة 1215: "ثبت هلاله ليلة الجمعة، وعملت الرؤية، وركب المحتسب ومشايخ الحرف، بالطبول والزمور على العادة، وأطلقوا له خمسين ألف درهم لذلك نظير عوائده التي كان يصرفها في لوازم الركبة... وفي خامسه وقع السؤال والفحص عن كسوة الكعبة، التي كانت صنعت على يد مصطفى أغا كتخدا الباشا، وكملت بمباشرة حضرة صاحبنا العمدة الفاضل، الأريب الأديب الناظم الناثر، السيد إسماعيل الشهير بالخشاب، ووضعت في مكانها المعتاد بالمسجد الحسيني". (عبدالرحمن بن حسن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، الجزء الثالث).

إعلان