إعلان

الكادر الواحد

أمينة خيري

الكادر الواحد

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 22 أبريل 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لم أكن يومًا متيمة بعمل التغطيات الخبرية. حتى في عز زمن الصحافة، وقت كانت الجريدة هي المصدر الرئيسي للخبر والمعلومة، لم ينتباني أبدًا هذا الشعور بأن الركض وراء مسؤول أو الهرولة خلف وفد زائر أو حضور مؤتمر صحفي شيء رائع أو مختلف أو متفرد. فالتفرد يكمن في تناول الخبر، والتميز مكمنه رؤية وملاحظة ومتابعة ما لم يلحظه الآخرون. وتتعاظم هذه الرغبة في ظل أجواء عمل تلزم الصحفي بما ينبغي عليه نقله أو بثه أو التركيز عليه، لكنها قد تتحول إلى متعة حقيقية إن كان في الإمكان نقل خبر ساخن على هامش الخبر الأكبر، أو العثور على زاوية لم يعثر عليها الآخرون في الكادر ذاته.

كادرات تغطية مجريات الاستفتاء على التعديلات الدستورية كادر واحد لا ثاني له. فعلى الرغم من انتشار عشرات الكاميرات ومئات الزملاء والزميلات في طول البلاد وعرضها، من هذه المدرسة الصغيرة في المدينة الكبيرة إلى تلك المدرسة الكبيرة في القرية الصغيرة، ورغم تزاحم النوافذ على الشاشة الواحدة، وتواتر التغطيات من شتى أنحاء محافظات مصر على صفحات الجرائد، فإن الكادر ظل واحداً.

ولولا معرفتي الشخصية والمقربة والعميقة لعدد كبير ممن غطوا وسهروا حتى الصباح وواصلوا الليل بالنهار من أجل التغطية على مدار الساعة، لظننت أن الكادر ظل واحدًا لا ثاني له. ولولا يقيني بأن عددًا كبيرًا ممن قاموا بالتغطية الخبرية كانوا يتمنون أن يخرج عملهم بشكل أكثر تميزًا وتفردًا، لاعتقدت أنهم اختاروا أن يظل الكادر واحدًا لا ثاني له.

أحادية الكادر الذي يتحدث عن بهجة المواطنين، وفرحة المارة، وإقبال كبير، ورقص بلا حدود، وزغاريد حدودها السماء، ومرضى محمولين على الأعناق، وقضاة أقرب ما يكونون إلى الملائكة، وموظفين كلهم همة ونشاط أصابتني بعسر هضم وضيق فهم.

ولأنني أقابل الكثيرين كل يوم، وأتحاور مع العديدين من مختلف الفئات والطبقات والأنواع، قد وصلت إلى نتيجة مفادها أن أحادية الكادر لم يستسغها أحد، ولم يهضمها أحد، ولم يفهمها أحد. هؤلاء تراوحوا بين أشخاص أدلوا بأصواتهم وقالوا نعم، وآخرون قالوا لا، ومجموعة ثالثة لم تشارك؛ إما لأنها عادت أدراجها إلى صفوف المتفرجين، أو لأنها لم تستسغ التعديلات وأجواءها، أو لأن ظروفها لم تسمح. غاية القول هي أن التغطية الخبرية لم يستسغها كثيرون.

والسبب الأكثر ترديدًا هو "انعدام التنوع"، وهو المعبر عنه بعبارات مشابهة مثل "ستامبا" و"كربون" وغيرهما. وأغلب الظن أن القائمين على أمر التغطية والمسؤولين عنها على علم ويقين بكربونية التغطية، وما لهذه الكربونية من آثار وخيمة على نسب المشاهدة ومصداقية الوسيلة الإعلامية لدى المشاهد والمتابع.

والمتابعون للتغطيات والتحليلات حتمًا ليسوا فقط المواطنين العاديين الباحثين عن معلومة وخبر وتحليل وتعليل، لكنهم أيضًا مسؤولون وسياسيون وقائمون على أمر البلاد ومن فيها من عباد. وهذا ربما يستوجب بعضًا من مراجعة وشيئًا من محاسبة. فإذا كانت الفئة العريضة من المواطنين الداعمين لمصر ورئيس مصر ونظام مصر السياسي وأولولياته ومشروعاته ورؤاه المستقبلية تشعر بغضاضة ولا تستحسن أحادية الكادر وكربونيته، فهذا يعني حتمية النظر بعين القلق والاعتبار إلى ما يقدمه الإعلام.

ما يقدمه الإعلام يفترض أن يشكل جانبًا رئيسيًا من وعي المواطن وتوجهاته ورأيه ومواقفه. وحين يفقد المواطن الثقة فيما يشاهده أو يقرؤه، فإنه حتمًا يلجأ إلى وسائل بديلة وطرق أخرى يستقي منها معلومة ويبحث فيها عن خبر ويشفي غليله بتحليل أو تعليل. وقد يوقعه حظه في وسيلة مسيسة أو محرضة أو مدفوعة بأهواء إقليمية أو أهداف دولية ذات مصالح وأغراض، وقد يوصله إلى صفحات الأصدقاء والصديقات ومحتوياتها التي ما أنزل الله بها من سلطان. تغطياتنا الإخبارية في حاجة إلى قبلة حياة علها تعطينا حياة.

إعلان