إعلان

100  مليون شائعة

أمينة خيري

100 مليون شائعة

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 04 مارس 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

100 مليون صحة ليست وحدها. الحملة التي تستهدف الوصول إلى المائة مليون مصري عبر عيادات متنقلة وأطباء وممرضين يجوبون ربوع مصر تبذل الجهد الجهيد للوصول إلى كل بيت وكل فرد في مصر. سبعة مليارات جنيه مصري بالإضافة إلى حملات توعوية وإعلامية تخاطب العين والعقل وأحيانًا القلب تؤتي ثمارًا رائعة بعد ما كان البعض متخوفًا منها لشائعة هنا أو خبر مضروب هناك. لكن البضاعة الجيدة والمحتوى الأصيل يفرض نفسه في نهاية المطاف.

إلا أن المطاف الذي يدفع بنا في دوائر مفرغة عبر كم مذهل من الشائعات والأخبار المفبركة يبدو متصلاً حيث لا نهاية تلوح في الأفق. ماسورة الشائعات والأخبار العجيبة الغريبة المريبة والآراء المتعلقة بكل كبيرة وصغيرة والتي تنفجر في وجوه 100 مليون مصري أينما ذهبوا لا تنضب أو تفتر.

ما نضب هو التعقل، وما فتر هو التدبر، ومعهما تدور عجلة الحياة بشكل مزعج وموتر. التوتر الناجم عن أخبار إلغاء هذه الامتحانات، والعقم الناجم عن التعقيمات، والتعيينات في مناصب وزارية لأشخاص رحلوا عن دنيانا، والدواء الذي يصيب من يتناوله بعمى وصمم وعته، والمعاشات التي لن يتم صرفها، والمترو الذي سترتفع تذكرته، وغيرها من آلاف الأخبار اليومية لا يمكن قياسه إلا على مقياس "ريختر".

مقاييس لا أول لها أو آخر، وقياسات لا ترد على ذهن مخلوق، وجهود تبذل للتفنيد والنفي، وأموال تنفق للتهدئة والطمأنة، وكل ذلك لأننا قررنا أن ندخل بكل قوتنا على أثير الشبكة. الشبكة نفسها باتت تنوء بحملنا. أغلب الظن أن من ابتكروا المنصات واخترعوا التطبيقات لم يخطر على بالهم يومًا أن يدخل شعب بكامل عدته وبكل قوته مجال صناعة الأخبار المستقاة من خلال الجلسة على القهوة، وتحليل الأنباء عبر خبرات مكتسبة من ركوب التاكسي والاستماع إلى مواقف صادرة عن تيتة وخالتو وطنط.

مثل هذه المواقف مهمة وجديرة بالاهتمام. لكن فارقًا كبيرًا بين آراء دوائر معارفنا وأصدقائنا، وبين آراء دوائر الخبرة والتخصص والمعرفة. وفارقًا كبيرًا أيضًا بين حرية التعبير وبين حرية نشر اللغط وإشاعة البلبلة ونثر اللخبطة. وفي عصر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، لا يتوقف خطر الشائعة أو الخبر المغلوط أو المفبرك على مجموعة الجالسين في مقهى، أو الملتفين أمام شاشة تليفزيون، أو المتجمهرين على محطة أتوبيس. من حق الجميع أن يعبر عن موقفه من الأحداث، وغضبه من الحوادث، ورؤاه تجاه المستقبل، لكن المواقف والمشاعر والرؤى تختلف عن التفسيرات العلمية والأنباء المؤكدة.

المؤكد هو أن مائة مليون مصري لديهم شغف حقيقي بما يدور حولهم. ومائة مليون مصري عندهم طاقة فكرية جبارة تبدو واضحة جلية من خلال كم المحتوى الشعبي على مواقع التواصل الاجتماعي والذي لا يفتر لثوانٍ أو يهدأ لدقائق. ومائة مليون مصري يتمتعون بطاقات استيعابية لا أظن أن أيًا من شعوب الأرض تنافسنا فيها.

كم الحكايات المحكية على فيسبوك هادر. وكم التعليقات التي تنافس التدوينات الأصلية جبار. وعدد المقبلين على "شير" مع إضافة تعليق يضفي "تاتش" شخصيًا ومذاقًا فرديًا طاغيًا. صحيح أن في بلادٍ بعيدة تتنافس أجهزة وأنظمة على التأثير في انتخابات رئاسية ومصائر أممية، إلا أن مائة مليون مصري أخذوا على عواتقهم منافسة الدول الكبرى والأجهزة العظمى. لكن العجب كل العجب هو أن صراعات الدول عبر الإنترنت تهدف إلى تحقيق مصالح وطنية، أما ما نقوم به محليًا فهو صراع من أجل إسقاط أنفسنا وإلحاق الضرر بمصالحنا.

ويبقى العجب الأكبر والاندهاش الأعظم، ألا وهو افتئات البعض في عالم الإعلام على مثل هذه المفبركات والشائعات لتصبح نقطة انطلاق للخبر الصحفي المكتوب. رفقًا بأنفسنا فقد اشتكت مواقع التواصل منا.

إعلان