إعلان

مراكز الفكر والقوة الناعمة لمصر

د. إيمان رجب

مراكز الفكر والقوة الناعمة لمصر

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

09:00 م الإثنين 04 فبراير 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أصبح في العالم صناعة خاصة بكيفية توظيف مراكز الأبحاث والفكر على تنوعها كإحدى أدوات القوة الناعمة للدول في الخارج، ويرجع المنطق وراء ذلك إلى كون هذه المراكز هي مصانع للأفكار والتي تمتلك من خلالها قدرة كبيرة على التأثير.

وهذا الوضع يفسر الأهمية التي يتمتع بها تقرير جامعة بنسلفانيا، الخاص بتصنيف مراكز الفكر والأبحاث في مجال العلوم الاجتماعية في العالم، حيث صنف هذا التقرير في نسخته الأحدث الخاصة بالعام 2018 عدد 8162 مركزا في العالم؛ استنادا لعدد من المؤشرات العامة والمؤشرات المتخصصة المتعلقة بعدد 13 مجالًا بحثيًا يتم تصنيف مراكز الفكر في كل منها استنادا لنشاطها البحثي وقدرتها على التأثير.

وقد جاءت مصر في الترتيب رقم 4 على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث عدد المراكز البحثية فيها، فاستنادا لذلك التقرير يوجد في مصر عدد 39 مركزًا بحثيًا. وبالنظر إلى مراكز الأبحاث المتعلقة بالعلوم الاجتماعية والإنسانية تعد مصر هي رقم ١ في المنطقة العربية. وهي بذلك لديها من الكوادر والمؤسسات البحثية العريقة ما يمثل إحدى أدوات القوة الناعمة. ولكن تظل هذه المراكز أحد موارد القوة الناعمة غير المستغلة.

وحتى تتحول هذه المراكز البحثية إلى أداة فعالة في التأثير الناعم لمصر في العالم، من المهم العمل على معالجة أربع قضايا تمثل تحديًا حقيقيًا لها. تتمثل القضية الأولى في الاعتراف بمكانتها ودورها المتميز عن وسائل الإعلام، فمراكز الأبحاث هي من يصنع الأفكار التي يمكن أن تدعم دوائر صنع القرار على تنوعها، ووسائل الإعلام هي أدوات لنقل الأفكار التي تصنعها مراكز الأبحاث وللسياسات التي تتبعها الحكومات، وبالتالي فإن مساواة مراكز الأبحاث بوسائل الإعلام تنطوي على تقليل من أهميتها وينتج عنها مشاكل كثيرة.

وتتعلق القضية الثانية بأهمية تعزيز علاقة هذه المراكز بالمؤسسات الحكومية وبمؤسسات الدولة على نحو يسمح بتوضيح التوجهات العامة للدولة لهذه المراكز، وهو ما سيساعد في أن تكون القضايا التي تعمل عليها هذه المراكز مرتبطة بالقضايا التي تشغل الدولة وبما يتماشى مع المصالح العليا للدولة، كما يحدث في العديد من دول العالم، والتي طورت ممارسات عدة في هذا المجال دون أن تمس الاستقلال الأكاديمي للمراكز البحثية. وهذا يستدعي تطوير علاقات مؤسسية بين تلك المراكز ومؤسسات الدولة المختلفة تتسم بالديمومة والفعالية والاستفادة من الخبرات الدولية ذات الصلة.

وتتمثل القضية الثالثة في توفير الدعم الفني اللازم لهذه المراكز حتى توظف تكنولوجيا المعلومات في إتاحة الأفكار والأبحاث التي تنتجها ليس باللغة العربية فقط وإنما أيضا بالإنجليزية، على نحو يتماشى مع معطيات العصر الحالي، فهذه المراكز كما أنها تخاطب الرأي العام الداخلي فهي تخاطب أيضا الرأي العام العالمي الذي أصبحت اللغة الإنجليزية هي اللغة الأكثر تأثيرًا فيه.

وتنصرف القضية الرابعة إلى شمول العاملين في هذه المراكز بجهود بناء القدرات البشرية التي تنفذها الحكومة حاليا، من خلال أجهزة متعددة، حيث لا تزال الكوادر العاملة في هذه المراكز غير مشمولة بمثل هذه الجهود والتي تركز بصورة كبيرة على العاملين في الجهاز التنفيذي.

إعلان