إعلان

أصحاب الهمم (17).. من رواد التجديد في الشعر العربي "3"

د طارق عباس

أصحاب الهمم (17).. من رواد التجديد في الشعر العربي "3"

د. طارق عباس
09:00 م الخميس 24 أكتوبر 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

جاءت قصائد بشار بن برد سجلاً للتراث الشعري العربي القديم، خاصة في العصر الأموي متأثرًا في ذلك بالثقافة العربية السائدة في المجتمع كله، فبدأ تقليديًا سائرًا على نهج القدماء لا يحيد عنه في بناء القصيدة وألفاظها وصورها التي استوحاها من البيئة البدوية حيث جاءت الألفاظ جزلة مائلة للخشونة كما جاءت المعاني في إطار حياة البدوي الصحراوية، فتكون الصور منتزعة من هذه البيئة، فمثلا الجواد كالصخرة والمرأة الجميلة كالغزال وعيناها مثل عيون البقر الوحشي.
أما مع بداية العصر العباسي فتنقلب الأوضاع رأسًا على عقب ويتمرد الشاعر على كل ما هو تقليدي عربي، وعلى الرغم من معرفة بشار باللغة الفصيحة إلا أنه قرر الانفلات منها والخروج إلى آفاق جديدة تستوعب ثقافة العامة وتعبر عنها بلغة بسيطة جعلت من قصائده سريعة الجريان على الألسن يريد لشعره أن يكون واضحًا مفهومًا للعرب وغير العرب، لمن أجاد اللغة ومن لا يزال على أعتاب تعلمها، ومن أمثلة قصائده البسيطة قوله:
ربابة ربة البيت تصب الخل في الزيت
لها عشر دجاجات وديك حسن الصوت
كانت لغة بشار البسيطة أهم أدواته في كتابة شعر الغزل فكانت غزلياته تخرج من القلب إلى القلب وتنتشر بسرعة خاصة بين الشباب كما استطاع أن يبتكر أوصافًا ومعاني جديدة جعلته حديث معاصريه ومن أجمل ما قاله في الغزل:
لم يطل ليلي ولكن لم أنم ونفى عني الكرى طيف ألم
روحي عني قليلاً واعلمي أنني يا عبد من لحم ودم
ومن أبياته الغزلية الرائعة أيضا قوله:
وذات دل كأن البدر صورتها باتت تغني عميد القلب سكرانا
إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيينا قتلانا
فقلت أحسنت يا سؤلي ويا أملي فاسمعيني جزاك الله إحسانا
يا حب ذا جبل الريان من جبل وحبذا ساكن الريان من كانا
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحيانا
هكذا قفز بشار فوق عصره وتجاوز زمنه وتحدى ظروفه الصعبة وقدم بشعره ما أثرى به نفوس الناس ومهد السبيل لمن جاء بعده كي يسير على هديه ويقتضي بخطاه.

إعلان