إعلان

الحرائق المتوقعة في الإقليم بعد هجوم "الأحواز"

محمد جمعة

الحرائق المتوقعة في الإقليم بعد هجوم "الأحواز"

محمد جمعة
09:00 م الأربعاء 26 سبتمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بعد الهجوم على العرض العسكري للحرس الثوري الإيراني في مدينة الأحواز في الثاني والعشرين من سبتمبر الجاري، ومعاينة ردود الأفعال الأولية بشأنه، يمكن القول إن التصعيد في حرب المحاور الإقليمية بلغ مرحلة غير مسبوقة...

طهران اتهمت بشكل صريح وواضح كلا من الرياض وأبوظبي بالمسؤولية عن الهجوم الذى أودى بحياة 30 شخصا على الأقل، وتوعدت برد "سريع وحاسم". أيضا دخل قادة "الحرس الثوري" على خط التهديدات وبالغوا كعادتهم حينما لم يستبعدوا سيناريو ضرب قواعد عسكرية للدولتين على أراضيهما!

وبغض النظر عمن حرّض على الهجوم (إذا لم تكن هذه العملية مستقلة بالفعل من قبل جبهة المقاومة الوطنية في الأحواز) فإنه يثبت أن إيران التي كانت لفترة طويلة محصنة ضد الهجمات الداخلية، بدت هشة أمام الضربات الإرهابية. هذا الإرهاب الذي يتغذى على الحروب الطائفية، والمظالم المحلية الداخلية، وهى الأوراق التي طالما لعبت بها إيران ووظفتها في أكثر من دولة في الإقليم، وبدأت تتجرع مراراتها مؤخرا.

لذلك من المرجح أن يؤدي الهجوم في الأحواز إلى تعزيز وجهة النظر التي تسيطر على قطاع كبير في داخل السعودية وبعض حلفائها في الخليج، والتي تذهب إلى أن النظام الإيراني أصبح ضعيفا، وعليه يتعين فرض عقوبات اقتصادية أقوى وضغوطاً عسكرية أكثر ومباشرة ضده.

إذ بالنسبة إلى بعض هذه الأطراف على الأقل، فإن الهدف لا يقتصر فقط على تقليص بصمة إيران الإقليمية ولكن أيضا تشجيع التغيير السياسي في طهران. وتعتبر الرياض وأبوظبي الاحتجاجات الاقتصادية في إيران، في وقت سابق من هذا العام، أول صدع في استقرار النظام.

أما هجوم الأحواز – من وجهة نظرهم - فدليل إضافي على أن صبر مواطني إيران بدأ ينفد. صحيح أنهم لا يتوقعون انتفاضة شعبية واسعة النطاق غدا، لكنهم مع ذلك يرون أن فرص التغيير هناك كبيرة، شريطة أن تستمر الضغوط على النظام الإيراني.

وفى هذا السياق تعتبر منطقة الأحواز حساسة بشكل خاص لعلاقات الخليج مع إيران، إذ تعتبرها دول الخليج منطقة عربية محتلة من قِبَل النظام الإيراني، وخاصرة رخوة يمكن من خلالها عصر النظام والضغط عليه. وهى نفسها المنطقة التي غزتها القوات العراقية في عام 1980، على أمل أن يتم الترحيب بها من قبل السكان المحليين والضغط من هناك على طهران في حركة سريعة.

*أما في الجهة المقابلة، فيشير مقتل مؤسس حركة النضال العربي، ملا نيسي، في نوفمبر 2017 في لاهاي، إلى مخاوف طهران المتنامية بشأن مساعي الرياض لإذكاء النزعة الانفصالية العربية في خوزستان. وكان "نيسي" قد صرح لوكالة رويترز في يوليو من ذات العام، أن حركة النضال تسعى إلى "تحرير الأحواز من الاحتلال الإيراني. والموكد أن مخاوف إيران قد تصاعدت بعد أن أعلن ولى العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في مايو 2017، عن أن الحرب ستنتقل إلى الداخل الإيراني.

لهذا كله هناك الآن جدل ساخن في داخل دوائر صنع القرار في طهران، يتمحور حول كيفية الرد المنتظر بعد هجوم الأحواز. وكيف يمكن للنظام الإيراني أن يوازن بين "ضرورة الثأر لكرامته" التي أُهينت نتيجة استهداف قوات النخبة لديه، وفى عقر داره.

وبين حتمية الالتزام بما يسميه البعض استراتيجية "الصبر الاستراتيجي" الإيرانية، التي تراها قيادة طهران مناسبة للبقاء على قيد الحياة في ظروف العزلة الحالية.

محاولة التوازن هذه ستدفع طهران إلى اجتراح صيغة خاصة للرد. وبالتحليل المنطقي لما يمكن لإيران أن تفعله، يمكن للمرء أن يتوقع الجمع بين اثنين أو أكثر من السيناريوهات التالية:

أولاً: ملاحقة الجماعات العربية المحلية بصرامة على أمل الكشف عن شبكات المتمردين وتفكيكها، وردع أي "توجّه لتقليدها" في أماكن أخرى من البلاد.

ثانياً: قد تسعى طهران إلى شن حملة جديدة من الاغتيالات ضد المعارضين المنفيين في أوروبا، حيث استهدفت إحدى هجماتها الأخيرة "ملا ميسي" كما ذكرنا أعلاه.

ثالثاً: من الممكن أن تطبّق إيران مبدأ "العين بالعين" فتستخدم التنظيمات الشيعية المسلحة التابعة لها في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى (كالبحرين) لإشعال فتيل الاضطرابات واستهداف قوات الأمن المحلية كما فعلت العام الماضي في المملكة السعودية.

رابعا: ضرب الدولتين المتهمتين بتسليح وتمويل الجماعة الأحوازية، في اليمن بوصفها الخاصرة الرخوة، حيث تنتشر قوات وقواعد للبلدين المحورين في التحالف ... هنا تبدو ممكنات تنفيذ عمليات مؤلمة غير قليلة موضوعياً، خصوصاً لدولة الإمارات التي تحتفظ بوجود عسكري مباشر على الأرض اليمنية، ربما بما يتجاوز الوجود العسكري السعودي المباشر.

خامسا: استهداف قواعد عسكرية للدولتين، تحديداً الإمارات، في القرن الأفريقي والساحل الشرقي للبحر الأحمر، خاصة وأن لطهران أذرع تطول دولاً عديدة في القارة السوداء والقرن الأفريقي.

كل هذا يشير- للأسف الشديد- إلى حرائق أخرى متوقعة نتيجة التوتر الشديد بين المحورين السعودي والإيراني، وبالتالي يهدد الاستقرار في ست دول تتنافس فيها القوتان بالوكالة... في اليمن والعراق... وحتى في المسارح البعيدة من أفغانستان إلى غرب إفريقيا، سيتبادل حلفاؤهما على الأرجح إطلاق النيران.

والأهم من كل ذلك، أن "حروب الوكالة" تتحول "إلى حروب أصالة"، وساحات الدول الإقليمية المنخرطة فيها تقترب تدريجياً من أن تصبح ميادين للمواجهة المباشرة، أو – كما يقال – للضرب تحت الحزام.

إعلان