إعلان

لجنة إدارة الأزمات.. الرياضية

لجنة إدارة الأزمات.. الرياضية

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

09:00 م السبت 07 يوليه 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يبدو أننا لم نكتفِ من الأزمات التي تحيط بنا حتى تُجهِز علينا الأزمات الرياضية هي الأخرى. لقد زاد شعورنا بهذه الأزمات منذ ٢٠١٢، حيث أخذت طابَعا سياسيًا في ضوء عدم الاستقرار السياسي وتصاعد ظاهرة الأولتراس التي دخلت في صدام مع الأنظمة السياسية المتعاقبة، منذ ذلك التاريخ بدرجات متفاوتة.

وقد زاد التوتر بين مجموعات الأولتراس والنوادي والمؤسسات الحكومية عقب حادثة استاد بورسعيد، وعدد من الأحداث الأخرى التي راح ضحيتها عدد من الجماهير، معظمهم شباب، الأمر الذي فاقم من حدة الأزمة التي كان سياقها مباريات كرة القدم.

وقد كانت لتلك الأزمات المتعاقبة تداعيات على منظومة الرياضة كمنظومة ذات طابع فني- اقتصادي، حيث سُيست بعد مشاركة عدد من لاعبي كرة القدم في الأحداث السياسية، بعد ثورة ٢٥ يناير بآرائهم أو من خلال تواجدهم المادي في خضم الأحداث السياسية، هذا من جهة. ومن جهة أخرى أصبحت لعبة كرة القدم موضوعًا سياسيًا- أمنياً، وكان مؤشر ذلك عشرات المباريات التي أجريت بدون حضور جماهيري خوفًا من استغلال المباريات في القيام بأعمال شغب وتظاهر سياسي.

وفي هذه الغضون شُكلت لجنة لإدارة الأزمات الرياضية عام ٢٠١٣ بوزارة الشباب والرياضة، برئاسة وزير الشباب والرياضة آنذاك، الوزير طاهر أبوزيد ومساعده المهندس باسل عادل. كما ضمت خبرات رياضية في مجال كرة القدم، وفي مجال علوم الأمن والاجتماع الرياضي وإدارة الأزمات والعلوم السياسية.

ولم يكن هدف اللجنة إدارة الأزمات الرياضية لكرة القدم فحسب، وإنما إدارة كافة الأزمات الرياضية لكافة الألعاب الفردية والجماعية وكل ما يتعلق بمجال الرياضة. غير أن الأحداث السياسية بزخمها وتسارعها منذ ٢٠١١ حتى تشكيل اللجنة جعلت من لعبة كرة القدم الحدث الأبرز على طاولة وجدول أعمال اللجنة، بل تم النظر للعبة بأنها إطار لتوليد أزمات مستقبلية وحشد معارضين للنظم السياسية آنذاك.

وعليه، وحيث إنني كنت أحد أعضاء تلك اللجنة، وفي إطار من التعاون والتنسيق مع باقي أعضاء اللجنة تم التوافق على البدء في اقتراح مشروع قانون لمكافحة الشغب في الملاعب، بالإضافة إلى اقتراح قانون للرياضة.

وبالفعل تم استعراض تجارب الدول الأوروبية في هذا الشأن، وخاصة المملكة المتحدة وبلجيكا. كما تم تقديم مقترحات لاحتواء حركات الأولتراس واستثمار خصائصها المتمثلة في عضويتها وتنظيمها في أنشطة توعوية وتنموية، بعيدا عن تسييس لعبة كرة القدم، وبعيداً عن أعمال الشغب التي تستهدف الدولة ومؤسساتها.

ولا يمكن القول إنه حدث توافق بين أعضاء اللجنة في تبني هذا الاقتراب، إذ تلاحظ وجود رؤى تفضل القضاء على هذه الظاهرة أكثر من إدارتها وتوجيهها لوجهة أخرى. وقد كشف هذا الاختلاف الفجوة بين اقتراب الوقاية والعلاج واقتراب المكافحة المادية لأعمال الشغب التي تمثلت في ظاهرة الأولتراس. فأصبحنا بصدد لجنة الأزمات الرياضية وليس لجنة لإدارة الأزمات الرياضية والوقاية منها مستقبلا.

كما تلاحظ التركيز على الأبعاد الأمنية- السياسية في الأزمات الرياضية اكثر من الأبعاد النفسية و المجتمعية والاقتصادية. فمما لا شك فيه كلفت الأزمات الرياضية المتعاقبة الدولة واتحاد كرة القدم مبالغ طائلة، كما وضعت الجماهير كطرف في هذه الأزمات بعدم الموافقة على مشاركتهم في الأحداث الرياضية الكروية آنذاك.

ورغم الصعوبات السابقة تمكنت اللجنة من صياغة مقترح لقانون مكافحة شغب الملاعب ووضع الإطار العام لقانون الرياضة الذي خرج إلى النور مؤخراً.

ولقد أثرت هذا الموضوع بمناسبة كأس العالم لكرة القدم المنعقد حالياً، والذي يطغى بأحداثه الفنية الرياضية والاقتصادية والجماهيرية والسياسية على ما دونه من أحداث عالمية. إذ لاحظت سياسات وإجراءات إدارية للوقاية من أي أزمات قد تهدد سلامة انعقاد الحدث الرياضي الأهم، وتهدد أيضاً سمعة وإمكانات دولة عظمى كروسيا الاتحادية.

وقد لفت نظري في إطار الحديث عن إدارة الأزمات الرياضية أمران: الأول: وجود بطاقة تعريفية لكل مشارك دخل الملاعب من الجماهير أو العاملين أو الفرق الرياضية، بما يجعل في حوزة الدولة قاعدة بيانات واسعة لكل من شارك في كاس العالم لكرة القدم ٢٠١٨ وبما يمكنها أيضاً من تتبع أي فرد يحاول إثارة الشغب أو يهدد أمن المدرجات. الأمر الآخر هو وجود تقنية "VAR" الإلكترونية كآلية لفض المنازعات داخل الملعب ومعاونة الحكام في اتخاذ قراراتهم.

لقد كان بإمكان روسيا أن تتخذ إجراءات أكثر تشدداً داخل المدرجات، وتزيد من القيود والممنوعات، غير أنها فضلت إعطاء صورة مغايرة عنها كشعب وكدولة. وبسؤال الجماهير والمشجعين عن انطباعاتهم عن مشاركتهم في المونديال فإن انطباعاتهم تدور حول ثلاثة أمور: سلاسة الإجراءات، استتباب الأمن والهدوء وكفاءة عمل الأجهزة والروح الإيجابية للشعب الروسي وترحيبه بالضيوف.

وهذه الإجابات هي الاستثمار السياسي والأمني والاقتصادي الحقيقي الذي حققته روسيا حتى الآن من تنظيم كأس العالم "المونديال".

وليس أدل على ذلك من الروح الإيجابية التي تسود المشجعين، حيث يختلط مشجعو الفرق في المدرجات، ولم نشهد مشاحنات أو عراكا بينها. بل شاهدنا أيضاً استجابة الجماهير المشاركة لكافة الإجراءات ومساعدتها في تنظيف المدرجات، بعد انتهاء المباريات.

لذلك يُثار التساؤل حول أسباب ذلك؟ ويمكن القول إنه شعورهم بأنه حدث ثقافي رياضي، وإنهم بدولهم جزء من هذا الحدث من جهة، وإنهم لم يشعروا بأي تكلفة سياسية أو أمنية من جراء مشاركتهم. وهنا يمكن القول إن روسيا نجحت بالفعل في تنظيم المونديال وإدارته.

أي أننا، ونحن نفكر في أزماتنا الرياضية وكيفية إدارتها، لا بد من تبني اقترابٍ أكثر شمولية من الاقتراب السياسي الأمني، ولا بد من إشراك الجماهير في الحفاظ على المكتسبات الرياضية الفنية والمادية، وعدم استقطابها والزج بها، كطرف في الأزمات الرياضية، وإنما كعامل مساعد على إذابتها.

كما لا يجب أن يُترك الأمر داخل وبين المنشآت الرياضية لتتحول إلى منازعات سياسية إقليمية، وإنما لابد من الإسراع في احتوائها لإعادة المصداقية للرياضة بشكل عام وللأجهزة القائمة على إدارتها. خاصة بعد أن أصبحت الرياضة أحد مؤشرات الانتماء للوطن التي يجب استثمارها ونحن نتحدث عن إشكاليات عودة الولاء والانتماء لبلدنا الحبيب.

وعليه، أقترح عودة لجنة إدارة الأزمات الرياضية مرة أخرى بتشكيل جديد يضم علماء نفس واجتماع وسياسة، ويضم لاعبين من ذوي الإنجازات الرياضية والمجتمعية وأطباء وخبراء إدارة أزمات وإدارة منشآت رياضية ومستثمرين وأعضاء من مجلس النواب، بالإضافة لممثلي تنظيمات شبابية ولا مانع من تمثيل الأولتراس لكسر الحاجز بين هذه التنظيمات الشبابية والدولة، على أن تخرج تلك اللجنة بخطة مبسطة وسريعة لتنظيم الملاعب وتنظيم التواجد الجماهيري فيها، بحيث يكون الجماهير أنفسهم هم صمام أمن الملاعب وأمن الألعاب الرياضية.

إعلان