إعلان

كيف تجعل الفسيخ شرباتًا؟!

كيف تجعل الفسيخ شرباتًا؟!

أمينة خيري
09:01 م الإثنين 30 يوليو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كيف تجعل الفسيخ شرباتًا في خمس خطوات أو في خمس سنوات أو بخمس وصفات؟

ولتكن هذه العناوين الاستفسارية دعوة للعصف الذهني لنا جميعًا، ولا سيما أولئك المتضررون والمتضررات، والغاضبون والغاضبات، والناقمون والناقمات (وأنا منهم) على الشعور بالجمود والإحساس بأن تروسيكل الوطن (على سبيل التجديد بدلاً من قاطرة الوطن ومسيرته وعجلته) محلك سر.

والسر في الانتقاد والمعارضة والمطالبة بتحسين الأوضاع وتحريك الأحوال المعيشية نحو الأفضل يكمن الجانب الأكبر منه في فهم الواقع وتقدير المعطيات ومعرفة الإمكانات.

ولندع الأوضاع الاقتصادية وما تحويه من أدوية مُرة وإجراءات أكثر مرارة وانعكاسات عميقة المرارة جانبًا، ولننظر إلى محاولات النهوض بالبشر في الوطن.

الوطن الذي ظل يئن على مدى عقود وهو يقف بلا حراك شاهدًا على تدهور رهيب في التعليم وتبخر تام للتربية وانعدام كلي للتنشئة، يقف اليوم وكله حراك مطالبًا بإصلاح التعليم كنقطة البداية لإصلاح العباد، ومن ثم البلاد.

إلا أن الحراك الكلامي وحده، والاعتراض والشجب والتنديد والسخرية والتقطيع الخالية من المعلومات ومنزوعة الوقائع والحقائق تجعل من مثل هذا الحراك حراكًا عدميًا لا يسمن ولا يغني من أمية الخريجين أو ضحالة المتقدمين لشغل وظائف.

كما إنه لا يرأب الصدع الهائل بين ما تحتاجه سوق العمل الآخذة في التغير والتحول وبين ما يتم تدريسه في المدارس، أو بالأحرى في مراكز الدروس الخصوصية، ومنها إلى الجامعات التي تعد شهاداتها جواز المرور إلى جموع العاطلين.

جموع المتقدمين إلى اختبارات الالتحاق بالمدارس اليابانية كمعلم فصل ومعلم مساعد ووكيل ومدير مدرسة كاشفة لمن يبحث عن الكشف ومؤشر لمن يدقق في المؤشرات. وقد شرفت بالمشاركة في عدد من لجان التحكيم التي اختبرت شفهيًا آلافًا ممن نجحوا في الاختبار الأولي الذي أجري على الشبكة العنكبوتية. الاختبار الشفهي حيث تقييم المتقدمين الناجحين، من حيث الهيئة وأسلوب الكلام والقدرة على توصيل الفكرة وغيرها أصابني بصدمة كبيرة لا تخلو من نقطة ضوء وإن كانت صغيرة.

صغر حجم الضوء يعني أن من بين كل بضع عشرات من المتقدمين للاختبار يبزغ نجم أحدهم أو إحداهن. الغالبية المطلقة تعاني الأمرّين.

هناك بالطبع المعاناة الاقتصادية الواضحة، والتي تدفع البعض من غير المؤهلين شكلاً أو موضوعًا للتقدم لشغل وظيفة معلم أو معلم مساعد بهدف ضمان دخل ثابت، لكن هناك كذلك معاناة من نوع آخر لا يشعر بها صاحبها.

فمن ضحالة فكر إلى مخارج ألفاظ غريبة إلى كلمات عجيبة حيث "دوكهوا" و"دولهما"، ومنها إلى لياقة مفتقدة في طريقة الجلوس وعدم إلقاء التحية، ناهيك من خريجات كليات تربية يتحدثن عن مكافأة الصغار بالشيبسي والحلوى واللبان، والفصل بين الصبيان والبنات في رياض الأطفال، و"الواد اللي يغلط يتعاقب" و"البت تقعد جنب البت اللي زيها"، بالإضافة لضيق أفق رهيب في إيجاد الحلول السريعة وغير التقليدية لمواقف فجائية، وغيرها.

يقول المثل الشعبي "اطبخي يا جارية، كلف يا سيدي". ونقول إننا جميعًا نبحث عن مخرج من هذا المطب أو بالأحرى الحفرة العميقة التي وقعنا فيها منذ أغلق نظام الرئيس السابق مبارك ملف التعليم بالضبة والمفتاح، معتبرًا إياه أمرًا هامشيًا لا قيمة له. وتٌرِك الأمر مشتتًا بين جماعات دينية استلبت جانبًا معتبرًا من مستقبل أجيال، ومدارس حكومية لا حول لها أو قوة، وخاصة مهمتها عصر الأهالي ماديًا والترفيه عن الأبناء معنويًا.

معنويًا خرجت من هذه اللجان وأنا مشفقة على كل من يحاول نبش ملف التعليم، إصلاحًا أو ترميمًا أو حتى تجميلاً. النسبة الكبرى من المتقدمين لشغل وظائف معلم ومعلم مساعد في فصول المدارس الجديدة هم شابات نتاج نظام التعليم الكارثي. هن ضحايا يدفعن ثمن من أهدروا تعليم أمة. لكن الإهدار الأكبر والثمن الأفدح سيكون بتمكين هؤلاء من أجيال قادمة. كان الله في عون وزير التربية والتعليم، وفي عون الضحايا السابقين منهم والقادمين.

ولتكن هذه دعوة للجميع لنفكر سويًا: كيف نحل معضلة البيضة والفرخة؟!

التعليم الجيد يحتاج معلمًا متنورًا مثقفاً متعلمًا، وهذا المعلم بات شحيح الوجود.

نريد شرباتًا، لكننا لا نملك سوى الفسيخ، فماذا نفعل؟!

إعلان