إعلان

"ليالي أوجيني".. الحب في الزمن الخطأ

"ليالي أوجيني".. الحب في الزمن الخطأ

د. أحمد عبدالعال عمر
09:00 م الثلاثاء 12 يونيو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أيهما أقل قسوة: أن تأتي الأحلام في غير زمانها ومكانها، أم لا تأتي على الإطلاق؟

وأيهما أقل قسوة: أن تلتقي الإنسان المناسب الذي ظللت تبحث عنه طوال عمرك في الزمان والمكان الخطأ، أم لا تجده أبداً؟

وأيهما أفضل: أن تأتي لك لحظة "التنوير" التي تكشف لك ما كنت تجهله متأخرة بعض الشيء، أم لا تأتي مطلقاً، لتظل عائشًا في جنة الغافل عن حقيقة الناس والحياة؟!

تلك الأسئلة تعبر بوضوح عن مفارقات القدر في حياة البشر، عندما يخططون لحياتهم، وينسجون من الأحلام جبالاً، ويرسمون شكل حياتهم في المستقبل، وصفات من هو جدير بمشاركتهم رحلة الحياة، ثم مع الوقت يهبطون من سماء الحلم إلى غابة الواقع، ليتخبطوا في متاهات الجغرافيا الخانقة، ويجدوا أنفسهم عند منتصف العمر في حالة اغتراب عن ذواتهم وسياقهم ورفقاء حياتهم.

وهنا يحاول أغلب البشر التأقلم مع وضعهم البائس الذي انتهوا إليه؛ فقد مر العمر، وقلت الحيلة، وضعفت إرادة التغيير، ولم يبقَ أمامهم إلا الاستسلام لخيارات القدر، والقبول بالمتاح، وبالأمر الواقع المناقض لكل تصوراتهم السابقة عن حياتهم.

لكن القدر يعود من جديد ليثبت حضوره ودوره في حياة بعض البشر الذين وصلوا إلى تلك الحالة من القناعة الوجودية، فيحقق متأخراً للإنسان بعض أحلامه القديمة، ويجعله يقابل الشخص الذي حلم بهم طوال عمره، ولكن هذا كله يتحقق في المكان والزمان غير المناسبين، وبعد أن فقد هذا الإنسان الرغبة في الأحلام والقدرة على الاستمتاع بها، وصار قربه من الشخص الذي وجده متأخراً في حكم المستحيل.

وهذا يعني أن الأحلام التي تأتي متأخرة، واللقاء في الزمان والمكان الخطأ، هما أكبر مفارقات القدر في حياة البشر، وهما أمران في قمة القسوة؛ لأن الأحلام التي تأتي خارج مكانها وبعيدة عن زمانها، لا يكون لتحقيقها بهجة تُذكر، وأن لقاء الشخص المناسب في التوقيت الخطأ يجعل الهروب منه والبعد عنه الحل الوحيد، رغم أنه لو وجده في زمان سابق لصارت النجاة في الهروب إليه والقرب منه.

وحتى حين لا يستطيع الإنسان الهروب، ويفشل في مقاومة غواية القرب والوصل مع من يحب، رغم إدراك مخاطره، فإن هذا القرب سوف يدخل الإنسان في دراما كبيرة، ويجعل الوصل المؤقت مع هذا الحبيب، يحدث تحت ظلال الفصل المؤكد، الذي يُعيد بطلي الحكاية لنقطة البداية، ولكن بسمات روحية ونفسية وعقلية جديدة، وبأكبر قدر من الشعور بالحزن وخيبة الأمل، والحس المأساوي بالحياة.

وأظن أن تلك المفارقة هي جوهر العلاقة التي جمعت بين الدكتور فريد (ظافر عابدين) وكريمة (أمينة خليل) في مسلسل "ليالي أوجيني"، وهي التي أبرزت في العشر حلقات الأخيرة جوانب دراما حقيقية في المسلسل، زادت من مساحة التشويق والاهتمام في متابعة أحداثه، بعد أن كنا نتابعه فقط لجمال الزمن والأجواء والسلوكيات الراقية التي ينقلنا إليها.

ورغم أن كريمة والدكتور فريد كلاهما ضحية القدر، وضحية اللقاء في الزمان والمكان الخطأ، الذي جعل وصلهما الكامل مستحيلاً، فإني أرى أن كريمة كانت مستغلة بامتياز للدكتور فريد، وجعلته بدورها ضحيتها؛ لأنها كانت على قناعة كاملة رغم استغراقها في العلاقة باستحالة اكتمالها بسبب ظروفها الخاصة، التي أخفتها عنه، ومع ذلك فتحت له الباب على مصراعيه ليدخل حياتها، وتمنحه حبها، وسلبت بحزنها الخفي وحنانها الواضح إرادته وقدرته على مقاومتها، فحلق معها في الآفاق، وعرف معنى آخر للحياة بقربها، ليكتشف بعد ذلك كذبها، وأنه بالنسبة إليها كان محطة للراحة والدفء العاطفي في طريق هروبها وبحثها عن ابنتها وذاتها، في حين كانت هي بالنسبة له طوق نجاة من برود الحياة، وخيار وجودي وعاطفي بديل كاد يفقد الأمل في وجوده، وبعد أن وجده، فقده مرة أخرى، ليصبح أكثر قسوة مع ذاته والآخرين، بعد أن ذاق مرارة الكذب والخديعة.

وهذا يعني أن البشر- وإن كانوا أحياناً ضحية لخيارات القدر، ولمفارقة تحقق الأحلام واللقاء في الزمان والمكان الخطأ- هم دائماً ضحية لبعضهم، ولسذاجة حكمهم على الآخرين، ولسوء تقديرهم واتخاذهم قرارات مهمة في حياتهم.

إعلان