إعلان

خط الصعيد.. وأغاني الخلاعة!

خط الصعيد.. وأغاني الخلاعة!

د. ياسر ثابت
09:00 م الثلاثاء 06 فبراير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تعد موسوعة "تراث مصري" للكاتب والباحث أيمن عثمان من الموسوعات المميزة التي صدرت أخيرًا، بفضل ما تحتويه من حكايات ومعلومات مثيرة ومنسية عن أحداث ولقطات فارقة في تاريخ مصر.

صدر من الموسوعة حتى الآن جزءان، وهي تحكي تفاصيل من عينة كيف تسببت جرائم خط الصعيد محمد منصور وهروبه المستمر في إحراج مدير مديرية أسيوط عزيز باشا أباظة وتعرضه لسخرية الملك فاروق حينما قال له: قل لي يا باشا، لفظ "الخط" بنقطة فوق الخاء أم فوق الطاء؟ هل هو الخط أم الحظ رفيقه؟

يروي الكتاب تفاصيل شائقة عن خط الصعيد، ونشأته، وكيف انتهى به الأمر بعد تهديد مديرية أسيوط بنفسها. ويروي الباحث قصة منصور الذي جرفه الثأر حتى وصل به الأمر حد قتل 70 فردًا من أسرة واحدة.

أما منطقة الزمالك فكانت تسمى العشش، وكانت مأوى للثعالب والذئاب والعقارب. جاء عبدالنعيم محمدين من بلدته قنا عام 1897، ومعه مال اشترى به قطعة أرض من تلك المنطقة بسعر لم يزد على قرشين ونصف القرش.. ثم أخذ يستصلح الأرض حتى جعلها صالحة للزراعة، وطهَّرها من الحيوانات المفترسة. وبمرور الوقت تطورت، حتى صارت تلك المنطقة الراقية في القاهرة.

لعل أول عملية اغتيال في صفوف الجنود الإنجليز حصلت عندما أخرج رئيس عمال عنابر السكة الحديد إبراهيم موسى مسدسه وأطلق رصاصتين على الجندي الإنجليزي وقتله، ثم أسرع ووضع مسدسه في جيبه، وأخرج مسبحته وكأن الأمر لا يعنيه!

وقد يستوقفك ما ورد في الكتاب عن أغاني الخلاعة قبل 100 عام.

يقول أيمن عثمان إنه إذا كانت أغنيات من نوعية "سيب إيدي"، و"الشبشب ضاع"، و"بص أمك"، قد انتشرت في السنوات الأخيرة، فإن مصر عرفت مثل هذه الأغاني وأكثر في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى.

انتشرت في تلك الفترة أغاني العوالم والخلاعة، وراجت الطقاطيق التي لا تخلو من ألفاظ ومعانٍ خادشة للحياء، مثل "حِلِف إنه يمتعني" للمطرب عبداللطيف البنا، و"عاشق وليه تلوموني وبين النهود واحملوني" للمطرب صالح عبدالحي، و"حرَّص مني إوعى تزغزغني جسمي رقيق ما يستحملشي" للمطرب محمد عبدالمطلب، و"شفتي بتاكلني أنا في عرضك خليها تسلم على خدك" لفاطمة رشدي، و"يوه يا دين النبي تنَّك سارح.. ما شبعتش من ليلة إمبارح" للمطربة نفسها، و"ارخي الستارة اللي في ريحنا أحسن جيرانك تجرحنا" لمنيرة المهدية، و"إيه اللي جرى ف المندرة.. شيء ما اعرفوش دانا كنت لسه صغيرة"، و"خد البزة واسكت"، و"يا ريتني ف حلقك برقة وأتمتع فوق خدك ساعة" للمطربة تودد، وكل من "إن كنت شاريني ما تبعنيش مش ليلة تجيني وعشرة مفيش" و"تلبس وتقلع شيفتشي" لفنان الشعب سيد درويش.

وكان الراعي الرسمي في "تعبئة" أغاني الخلاعة وتوزيعها في أسطوانات، اليهودي ليتو باروخ مسعودة، وكيل شركة "أوديون" لتسجيل الأسطوانات ومدير شركة مصر للتمثيل والسينما، وباروخ بالمناسبة هو ملحن أغنية "سوسو حنتوسو.. يا حلاوتك يا لطافتك يا سوسو".

ولفظ "تعبئة" الوارد أعلاه كان المصطلح الذي استخدمته فاطمة رشدي في مذكراتها، وهي تشير إلى تسجيل الأغاني على أسطوانات.

ويحكي أيمن عثمان كيف أنه من طرائف بدايات السينما في هذه الفترة أن حريقـًا شب في ماكينة عرض "صالة سانتي" أثناء عرض أحد الأفلام، وكان أصحاب الملاهي والمسارح عانوا من الكساد بفعل إقبال الأهالي على دور العرض. أشاع أصحاب الملاهي أن الله قد أحرق الشيطان الذي يستخدمه صاحب السينما السنيور سانتي. راجت الشائعة، وامتنع الأهالي عن دخول السينما، ولم تنفع محاولات سانتي في إقناعهم بأن الشيطان لا علاقة له بالسينما، واشترطوا عليه إثبات أن الشيطان لا يتحرك داخل الشاشة ويشخص مع إخوانه من الشياطين صورًا وخيالات!

في سياق آخر، يحكي أيمن عثمان كيف لعبت التبرعات دورًا بالغ الأهمية في تاريخ مصر:

- أنشأنا الإسعاف المصري 1902.. بالتبرعات.

- أسسنا الجامعة المصرية 1908.. بالتبرعات.

- أنشأنا مبرة محمد علي 1909.. بالتبرعات.

- انطلقت حملات محو الأمية في ضواحي القاهرة 1909.. بالتبرعات.

- شيّدنا تمثال نهضة مصر سنة 1922.. بالتبرعات.

- تأسست مستشفيات المواساة 1929.. بالتبرعات.

- أطلقت حملة تشجيع الاقتصاد المصري بمشروع القرش سنة 1931.. بالتبرعات.

- تم إنشاء مستشفى الدمرداش 1928.. بالتبرعات.

- كافحنا الحفاء سنة 1941.. بالتبرعات.

- تم تعليم أطفال العاطلين بالإسكندرية سنة 1943.. بالتبرعات.

- واجهنا السيول سنة 1951، 1975، 1979، 1987، 1994.. بالتبرعات.

- معونة الشتاء، وبنك الطعام، ومستشفى القلب، 57357.. بالتبرعات.

يبقى القول:

إن مشروع "موسوعة تراث مصري" يستحق التقدير والتشجيع؛ لنشره قطوفًا من تاريخ مصر بأسلوب مبسط.

إعلان