إعلان

علي طول الحياة ..

علي طول الحياة ..

د. هشام عطية عبد المقصود
09:00 م الجمعة 30 نوفمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بعد صباح الخير ..
هبط من العربة صائحًا ثم ذهب مسرعًا نحو سائق الميكروباص، لم يطل صبر الأخير عليه، نزل من مقعده وأسرع إليه ولكمه ضربًا متواصلا، حتى استسلم الرجل في يده الممسكة به من ياقة قميصه ساكنًا وصامتًا تمامًا، حتى أنه بعد كل هذا الضرب ذهب إلي عربته التي أوقفها أمام الميكروباص لم ينظر نحو طفل كان يجلس إلي جواره وقادها صامتًا، كان الشارع قد توقف ليشاهد وبدأ ركاب الميكروباص يخففون على السائق "معلش" و"توكل على الله شوف رزقك"، متجهما دخل سائق الميكروباص نحو كرسيه، بينما كانت وجوه ركاب أتوبيس النقل العام المتوقف عن قرب تنظر عبر الشبابيك وتتلهى.

عندما يأتي المساء ..
وبعد مساءات كثيرة تحب فيها شكل السماء وهي تزينها النجوم، ستعرف في كل يوم أنك تري شيئا ما مختلفا جديدا، وسيمكنك حتما أن تعرف الفارق بين النجوم المتكاثرة فتألفها وتطلق عليها أسماء تعرفها وتحبها، حتى إن غاب أحدها في مساء تالٍ عرفت، ستنظر نحوها شغوفا ويتردد داخلك النداء أن منح الله داخلك.

محطة قطار ..

في طريقه اليومي المحفور على شريط السكة الحديد غير المزدوج يسير متهاديا ذلك القطار منذ عشرات السنوات التي يؤرخ لها بعمره، في سيره التاريخي هذا تتداخل ظلال حركة الناس والمواشي وشكل الترع والزرع مع ضوء الغروب المتضائل فتصنع لوحة لم ترسمها يد بشرية، ويصنع مشهد البيوت البعيدة عن شريط السكة الحديد وهي تتوزع متناثرة مشهدا يوحي بالصبر وعدم الاكتراث، القطار رحلة مختلفة، لا يشابهه ذات الطريق في سيارة أو باص، لن تفسر الأمر كثيرا فهكذا الأشياء البهية تفسد إن اقتحمها تفسير، سيمنحك الدخول إلي محطة القطار الرابض هادئا منتظرا شعورا مختلفا سيلازمك طوال المشوار.
في يوم من نوفمبر ..
لن تكتب شيئا مذهلا، تدرك ذلك يقينا، ستكتب شيئا بسيطا تعرفه وربما تحبه، ستكتب هاويا أبدا، وفقط ما يمنحك إحساسا ما أدركته ذات يوم ولو كان بعيدا أو قريبا أو حتي يوشك في الزمان، ستختبر معضلة أن تكتب ويقرأون لك كهلا.
المفاجأة أو الدهشة ومثل تلك المفردات التي وصفك بها أو يصفك بها من ينطلقون من متنك ليصنعوا متونهم الموازية ستكون لطيفة لكنها لن تصنع معك شيئا كبيرا، سيكون ذلك طيبا ثم لا شيء إضافي، ولن يكون ضروريا أبدا أن تقول: لدي روايتان مكتملتان قديمتان ولن أنشرهما، وستقول لمن يعرفك من الأصدقاء – محتفظا بما تحب- أنهما مجرد رتوش أو حتى بروفات غير مكتملة للكتابة وأنت تنظر نحو واحدة منهما تسمي نفسها "في يوم من نوفمبر" وتنظر إلى الأخرى التي بقيت لا تحمل اسمها ومفتتحها.
لن تكون محتاجًا إلى من يشجعك فتلك أشياء مضت، ولن تهتم بمن يقترح أن تذهب إليه لينشرهما فقد صار ذلك الآن في يسر سهولة شرب الماء في غير ظمأ كبير، لا سبب محدد سوي أنك لا تحب ذلك، فلن يزعجك الآن أبدا أن يقرأها أحدهم انطلاقا منك وإليك، ولن تضطر أيضا إن قررت ذلك أن تكتب تلك الجملة المعتادة "أي تشابه بين النصوص وشخوصها هو خيال الراوي وحده" لا شيء من ذلك سيكون حافزا أو مانعا.
ورغم كل شيء ستأسف كثيرا للقطات آثرت طوال الوقت أن تبعدها جانبًا رغم أنها بهية وتشرق، ستبرر ذلك وتقنع نفسك وترضى، وتظل تمضي مختبرًا خيوط قص صغيرة تاركًا خيط الحكاية الأصلية متقطعا، وحين تتذكر ما قاله ماركيز: "كل حكاياتي بها شيء واقعي أعرفه"، تسأل في دهشة وهل ذلك حقا؟ سيكون أفضل أن تستبدلها بأن تقول كل حكاية بها شيء أحسسته أو عرفته ولو كان بعيدا في الزمان.
مختتم: "أما الوجوهُ فكانَتْ وهيَ عابسة ٌ.. أمَّا القلُوبُ فكانَتْ وهْيَ تبتسِمُ" أبوتمام.

إعلان