إعلان

سرقَت حبيبي.. فسأتزوج زوجها

سرقَت حبيبي.. فسأتزوج زوجها

د. براءة جاسم
01:48 ص الأحد 21 أكتوبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"أنا مش خطافة رجالة يا دكتورة، ولا خاينة، هي اللي أخذت مني الراجل اللي بحبه من عشرين سنة، وهو اللي دور عليا وقرر يرجع لي، أنا الضحية مش هي، أنا بسترجع حقي فيه وبرد كرامتي وعمري اللي ضاع لما سابني وراح لها".

كنتُ مدركةً أنِّي في حضرةِ امرأةٍ على حافةِ الانهيار، وأنَّ عودةَ "حبيبِها الأولِ والأخير" بمثابةِ الفتيلِ الذي انتُزِعَ مِن قنبلةٍ فَجَّرَتْ داخلَها جرحًا لم يضمّد فتقرَّحَ عبرَ عشرينَ عامًا، تعمّدتُ الصمتَ حتى تُفرِغَ شحنتها في الحديث.
رَوَتْ لي تفاصيلَ كثيرةً جدًا عن قصةِ حُبِّهِما التي كانتْ حديثَ كلِّ مَن يعرفُهُما، وكيفَ أنَّ والديْهِ لم يُباركا هذا الحبِّ وأصرَّا على تزويجِه ابنةَ خالته. فثأرتْ لكرامتِها، وتزوجتْ هي أيضًا رجلًا آخرَ "لا تحبه" ولم تستطع أن "تحبه"، إلا أنّها سافرتْ معه، وأنجبَتْ منهُ ثلاثةَ أطفال.
أُجهشَتْ بالبكاءِ وحَكَتْ تفاصيلَ حياتِها "المريرة" مع زوجٍ لا يعرفُ الرحمة"، فلم تشعُرْ يومًا معه بأنها "أنثى". بَكَتْ كثيرًا، وتردَّدَ صدى كلماتٍ كـ"العادات والتقاليد" و"كلام الناس" مرارًا وتكرارًا في أرجاءِ المكان.

وها هي اليومَ في عصرِ التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي حيثُ استطاعَ "حبيبُها" أن يبحثَ عنها حتى وجدَها وأرسلَ إليها يُخبرُها أنّهُ ما زالَ يحبُّها، وأنه لمْ ينْسَها يومًا، ويريدُ الزواجَ بها.

وحينَ أفرغَت ما في جعبَتِها من الألمِ نظرَتْ إليَّ وقالت: أعمل إيه يا دكتورة؟

ـ وهل يُعالَجُ جرحٌ متقيّحٌ عُمرُه عشرونَ عامًا في جلسة؟

هذا غيضٌ من فيض، ونقطةٌ في بحرِ أوجاعٍ وتخبُّطاتٍ يمرُّ بها ملايينُ الأشخاصِ تشهدُها العياداتُ النفسية، فكيف بالحالات التي لا يعلمُ بها إلا الله!! أُدركُ وأؤمنُ بمقولة: "أن تبدأً متأخرًا خيرٌ من ألَّا تبدأ"، ولكن لا أستطيعُ أن أمنعَ نفسي من التفكير في أهمية التوعيةِ حتى يُدركَ مَن حولَنا أهميةَ علاجِ النّفس، فذلك هو ما يحمي أُسَرًا من الانهيار ضحيةً لاختياراتٍ خاطئةٍ تودي بالمجتمعِ بأكمله.

إننا اليوم أمام زوجٍ يخونُ زوجَتَهُ مع حبيبتِه لأنه غير سعيد بحياتِه الزوجيّةِ، أو يمر بأزمةِ منتصفِ العمر، أو يعيشُ أوهامَ الماضي، أو لأنه غيرُ متزنٍ، وأمامَ امرأةٍ على حافة الخيانةِ إن تجاوَبت مع الحبيبِ الأول، تبحثُ عن عمرٍ ضائعٍ وأحلامِ الماضي التي انهارت، فقبِلت الزواجَ من رجلٍ لا تحبُّه لتثأر لكرامتِها من رجلٍ تخلى عنها، ولا ندري إن كان هو أيضًا يبحثُ اليومَ عن حبيبتِه الأولى التي سبقَت زوجتَه الحالية أم أن زوجتَه الحالية هي حبُّه الأول، ولكنهُ أدركَ بفطرتِهِ أنها لم تحبُّه يومًا، ولم يستطِعْ أن يقدّم لها ما يُرضيها، يعيشُ كاتمًا جرحهُ إلى أن يمَلّها ويبحثَ عن أخرى تُكملُ له ما يفتقدُه. وبين هذا وتلك أطفالٌ يدفعون ثمنَ اختياراتِ أهليهِم بمُرّها قبلَ حُلوِها.

لا تستهِنْ يومًا بما يؤلمُك، وحذارِ أن تترُكَ جرحك النفسي دون علاج، خذ بجميعِ الأسباب التي تحميكَ من نفسِك فتعالجَها قبلَ أن تكونَ قراراتُك سببًا في تدمير حياتكَ وحياة مَن حولك ممن يهمهم أمرُك.

إعلان