إعلان

القمر طلع.. في مديح الأمل

القمر طلع.. في مديح الأمل

د. هشام عطية عبد المقصود
09:06 م الجمعة 19 أكتوبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الخيال هو ما يمنحنا حيزا للمرواحة بين العادي وبين المكرر، بين امتدادات الظل والظلام وبين إشراقة الضوء الطيب. هو مناورة بقاء وتواصل ضد كل محفزات اللا فعل واللا جدوي، هو أيضا بشكل ما ذلك الأمل المضفر في ثنايا أوقات صعبة أو ساكنة، فتتشكل كمضادات حيوية طبيعية وفطرية طاقة الخيال إذ تحلق بالبشر خارج دائرة كل ما هو "واقع" فتفتح مسارات العيش وبها ترحيبات الممكن والمأمول فتظلل حركة البشر كلما باغتهم يأس وتعب، فيستمر الناس، وهكذا يطلع القمر فنراه حلوا ونكتب فيه وعنه الأشعار ويستظل تحت رايته المحبون، متجاهلين ما يقوله علم الفيزياء بأنه جسم معتم ساكن لا يشع ضوءا، وماذا يهمهم من ذلك!.

وهكذا يمكن أن نقول واثقين أنه بالأمل يحيا الناس ساعاتهم الكونية ويكتب عنهم سفر البشر ما فحواه أن ما قدر لك لن يتخطاك ولو ظن أهل الأرض جميعا أنهم قادرون عليك.

هذا هو جوهر الإيمان الذي هو فطرة الله في الكون والذي لا يكتسب بالعقل وحده ودهاليزه ولا بالتفكير المؤرق كما أنه أيضا لا يستعاد بهما، ويمنحنا قانون المصادفة من ذلك الكثير لنفهم مصادفات كثيرة تصنع الحقائق وتشكل ملامح الإنسان وعلاقته بالكون، وهكذا تمضي الحياة بقانوني النسيان والاستعاضات، حيث لا شيء بلا بديل مهما تخيلنا ذلك أو عمدنا لنقنع نفسنا بذلك، كذلك فإن النسيان نعمة ورحمة.

القصة تبدو فريدة حيث البشر كائنات تعتقد وتتيقن وتتعامل مع الموجودات وفق مدارات طاقة عقلها الذي ينفتح على ما يعرف، ثم أيضا قليلا مما يصنعه الحدس والتأمل وربما الأمل، لكن طاقة حركة الموجودات وانتظامها وتدافعها هي أكبر وأعقد من كل ذلك، فقانون الصدفة ليس سوى بعض من وسائل تيسير الحياة التي تتعداه لتشمل انتظام الكون بما يضمه ذلك من تدافع البشر الذي يحدثنا القرآن الكريم عنه، هو أيضا بعض قوانين الاستمرار، تدافع ربما قد يحمل في ظاهره ما لا نحب ليأتي داخله ومعه الخير، ويمضي بالناس فتتغير مصائر وصيرورات.

ولعل الحديث القرآني الذي يتجلى كشفا لبعض ما لا نعرف ويخص عسى أن تكرهوا أو تحبوا فيكون ما هو متحقق وانتظرناه طامعين، أو تطيرنا به خائفين، بخلاف ما اعتقدنا تماما، هذا هو خير زاد في مجابهة تمنيات الحياة أو ما نتوقعه منها، لنتعلم فضيلتي الصبر والأمل.

نسير في الحياة مسرعين نحمل أفراحنا وندوبنا ونمضي، نعرف الناس أو نظن ذلك فتظهر نسبية الأشياء واضحة كأننا لم نسمع عنها قط، تتبدل الأدوار والوجوه فنتقبل ما عشنا نظن أن لن نفعله أبدا، فنتعدى مظلة طفولة الرفض والخصام ونساير بشرا يحملون الشكل ولكنهم يفقدون المعنى، علي هيئة البشر لكنهم لا ينقصون فتيلا عن حالة شراهة الأميبا وهي تستهلك الخلايا، فنعرف أن الشر بعض حياة، ولنسأل كيف جاء الشر إلي العالم وكيف أيضا يكون شرا مجانيا مطلوبا لذاته، فنضيف إلي حصيلتنا من التجارب فهما لجملة عابرة اسمها الشر المستطير، طالما عبرت بلاغتها أفق خيالنا ولم نتوقف لنفهم.

هل كانت بداية حضور الشر من غرور، ونفهم سعي البشر نحو الخلود وثماره التي راوغت فناءهم فانتبهوا لها تاركين كل شيء، كبعض من تعلق بزائل يمدون مظلته ليختبئوا من أسئلة ماذا بعد، وفرارا نحو مسارات ظن النجاة ووهم الاستدامة خارج قوانين وحكمة ما عرفه واحتفظ به البشر وحوته الأرض.

هي الحياة؛ حقل تجارب ممتد لا يكتمل حرثه فيؤتي ثمره، بل كلما ظن الإنسان أنه قادر تجلي وهمه بينا، حرث هواء يمتد بينما يظن كل غافل أنه من القادرين عليها، فيسير في الأرض مرحا.

كيف تنساب في الأرض سيول الذاكرة الأبدية للبشر؟، فلا تتأتى لهم الحكمة وليدخلوا كل مرة بدايات جديدة، يراكمون خبرة المحسوس والمرئي والمعاش وتبقى الروح عطشى هائمة تصنع فرادة تجربتها كأنها حائرة أبدا، ومن ثم يفقد الإنسان قدرته علي تبين هشيم الأشياء، فتضيع منه بوصلة الوسطية التي تصنع الرضا بين أمل ورجاء وبين الزبد الذي يراكمه واهما فيذهب جفاء.

لأجل كل ذلك سيبقي إسماعيل ياسين يطلق صوته بجملة كلنا عايزين سعادة، سائلا صاحب السعادة، دون أن يدرك أن السعادة لا يمنحها أحد ولا تطلبها من أحد فهي كما الفراشة الملونة علي أزاهير الأرواح الطيبة والنفوس المطمئنة تدور، تحط قليلا ثم تعلو وتترك علي الأرض أثرا ورائحة تمنح الأمل في المعاودة ولو بعد حين.

إعلان