إعلان

أكرم ألفي يكتب: لماذا لا يحتج المصريون؟

أكرم ألفي يكتب: لماذا لا يحتج المصريون؟

أكـرم ألـفي
08:42 م السبت 01 يوليه 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لماذا لا يحتج المصريون؟ سؤال طرحته النخب السياسية خلال الأسابيع الماضية بعد إقرار اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، ونقل السيادة على تيران وصنافير وما تلاها من قيام الحكومة برفع أسعار الوقود..

قراران أحدهما سياسي وسيادي والآخر اقتصادي له تداعياته الاجتماعية على شرائح واسعة من الطبقة الوسطى والأكثر فقراً.

إن معارضة جزء ليس بقليل من النخبة لاتفاقية ترسيم الحدود وللقرارات رفع الأسعار ونتائج استطلاع الرأي الذي أجراه مركز "بصيرة" التي أظهرت قبول 35% فقط تسليم تيران وصنافير للسعودية كانت كفيلة بتوقع قطاع كبير من النخبة أن تشهد مصر موجة من الاحتجاجات السياسية والاجتماعية يكون بطلها أبناء الطبقة الوسطى في المدن وخاصة القاهرة والإسكندرية والسويس وغيرها من المراكز الحضرية الكبرى في مصر.

ولكن ما حدث كان عكس توقعات البعض وجاءت الرياح بما تشته سفن الحكومة والنظام الحاكم. فلماذا لم يحتج المصريون؟

إن الإجابة على هذا السؤال ضرورة للنظام والمعارضة، فكل من الطرفين عليه أن يدرك عوامل القوة والضعف والظرف الموضوعي لتوقع خروج الاحتجاجات. فقد قاد تطور علم الاجتماع السياسي في الغرب وجنوب شرق أسيا بالأساس إلى جعل الدراسات الخاصة بتوقع التحولات السياسية وإمكانية انفجار الاحتجاجات السياسية والاجتماعية تتقدم بقوة في حين أنها لا تزال تخضع في كثير الأحيان بمصر والعالم العربي لمحددات غير واضحة وتقوم على الأمنيات ومبارزات "الفيسبوك".

إن قراءة موضوعية للواقع الديموجرافي والاجتماعي والسياسي في مصر تقود إلى استبعاد إمكانية أي حركات احتجاجية فاعلة ومؤثرة خلال الوقت الراهن وفي المستقبل القريب. وهذه القراءة لا تنفي في ذاتها إمكانية المفاجأة ولكنها ستظل في نطاق الاستثناء وليس القاعدة.

إن الديموجرافية السياسية اليوم لمصر تشير إلى تراجع نسبي في نمو سكان المدن الرئيسية خلال السنوات الست الماضية، حيث أن نسبة الحضر إلى الريف ظلت تقريبا ثابتة من 2011 إلى 2016 وهي تقريبا 45% إلى 55%. بينما شهدت الفترة من 1990 إلى 2010 نمواً واضحا لسكان المدن بنسبة من 38% إلى 45% تقريباً.

بالتوازي، فإن متوسط دخل المصريين تراجع بوضوح خلال السنوات الست الماضية، حيث قاد تحرير سعر الصرف إلى انخفاض القوة الشرائية للجنيه المصري وبالتالي شهدت الطبقة الوسطى وخاصة شريحة الموظفين والعاملين بأجر ثابت تراجعاً بلغ أكثر من 40% في دخلها الحقيقي إلى جانب ارتفاع الأسعار بشكل كبير. في المقابل، فإن الأرقام تشير إلى تزايد نسبي لدخول الطبقة الوسطى المصرية خلال السنوات من 1990 إلى 2010.

ما سبق وفقاً لفرضية أن الفقر يقود على الاحتجاج إلى الدفع إلى نتيجة وحيدة وهي تزايد فرص الاحتجاج الاجتماعي في مصر خلال الفترة المقبلة. ولكن مدرسة الديموجرافية السياسية لها رأي أخر، حيث أن قراءة جاك جولدستون وهنريك وأوردال وسيان فوكس لعلاقة الديموجرافية بالعنف والاحتجاجات بناء على قراءة للاحتجاجات في أكثر من 50 دولة بالعالم تشير بوضوح إلى النقيض.

فمدرسة الديموجرافية السياسية ترى أن نمو سكان المدن بشكل متسارع وتشكيل بالتالي طبقة وسطى حضرية جديدة وارتفاع دخل الشرائح الوسطى للطبقة الوسطى بالأساس يدفع إلى زيادة احتمالات الاحتجاجات الاجتماعية التي تقودها هذه الشرائح وخاصة من شبابها، والفرضية الرئيسية لهذه المدرسة هي أن النمو المتسارع للمدن والحراك الاجتماعي والأمل في الصعود الطبقي يقود إلى تزايد احتمالات الاحتجاجات وليس العكس.

ولعل من مفارقات النظريات الاجتماعية أن هذه النتيجة هي نفسها التي تتبناها الماركسية الغربية، وهي القائمة على أن "كاسري الإضراب فرصهم تزيد في ظل انتشار الفقر والبطالة"، فالثورات تقوم في مراحل من الانتقال الاجتماعي وتزايد الأمل بفرص الحراك الاجتماعي والطبقي.

وسياسياً، فإن الخبرة المكثفة للمصريين خلال السنوات الستة التي تلت ثورة 25 يناير 2011 رسمت سلم أولويات جديد قائم على تقديم الاستقرار السياسي والأمني على كافة الأولويات الأخرى. بمعنى آخر أن لسان حال الطيف الجمعي للمصريين هو أنه يمكن احتمال انخفاض مستوى الدخل وارتفاع الأسعار بل وزيادة القبضة الأمنية في مقابل عدم المساس بحالة الاستقرار السياسي والأمني التي تشهدها مصر خلال السنوات الأخيرة وبالتحديد منذ بداية 2015.

إن معامل الاستقرار هو المعامل الحاكم اليوم لرد فعل المصريين على أي قرار سياسي واقتصادي، فالخبرة الذاتية والجماعية التي تشكلت عبر مفارقات والتحولات الكثيفة للأشهر التي تلت يناير 2011 جعلت الكتلة الأكبر من الطبقة الوسطى بل ومن المصريين من كافة الشرائح الاجتماعية تخشى أي تحرك احتجاجي ليس خشية قبضة أمنية بل خشية مواجهة سيناريو فوضى جديد لم تعد تحتمله هذه الشرائح الضخمة خاصة من سكان المدن.

إن ما سبق ليس روشته للنظام السياسي للمضي قدما في قرارات صادمة للنخب والمجتمع، وليس رسالة إحباط للمعارضين بل قراءة اجتماعية للواقع المصري .. فنحن نشهد مرحلة اجتماعية جديدة في تاريخ مصر الحديث يجب التعامل مع تحولاتها بجدية وقراءة الوضع بدقة من النخب قبل اتخاذ أي قرار من السلطة أو دفع المعارضة لمؤيديها إلى تحرك.. فهذه القراءة قد تحمل رسالة مزدوجة الأولى للنظام إنه لا يجب بالضرورة المجازفة أكثر من اللازم بمعامل الاستقرار ويجب التعامل معه بحرص حتى لا ينفلت، فالسياسية تحتم عدم المجازفة إلى الذهاب للحافة .. وبالتوازي فإن المعارضة عليها أن تدرك أنها في وضع غير موات للحشد الجماهيري وأنها يجب ألا تسقط في الإحباط عندما تذهب بمفردها للاحتجاج.

إعلان