إعلان

قراءة في إحدى الوثائق السرية لتفكيك وإعادة تركيب الاقتصاد المصري (2)

قراءة في إحدى الوثائق السرية لتفكيك وإعادة تركيب الاقتصاد المصري (2)

د. عبد الخالق فاروق
10:09 م الخميس 07 ديسمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

عرضنا فى الجزء السابق، كيف تناولت بعض التقارير السرية التي وضعتها مؤسسات التمويل الدولية، ووكالة المساعدات الأمريكية U.S AID، الأوضاع الاقتصادية فى مصر، من مدخل استراتيجي قائم على المفهوم المنظومي system approach، بتفكيك وإعادة تركيب هذا النظام الاقتصادي الذي اتبع سياسات ومنهج التخطيط الشامل، والسيطرة الكبيرة للدولة على قطاعات الإنتاج والتوزيع.

وقد جاء هذا التقرير الأول المعنون: Country economic Memorandum:" Economic Readjustment with Growth"" والمرقم (7447 ـ مصر) والصادر في الثاني من فبراير عام 1990 والمذلل بالعبارة المعروفة "للاستعمال الرسمي فقط"، وكذلك التقرير المعنون "Private Sector Regulatory and Incentives Environment Study" ، والمرقم ( 10049- EGT ) بالكثير من التوجيهات والتوصيات شبه الملزمة للحكومات المصرية المتتالية، بدءًا من حكومة د. عاطف صدقى ( 1988 -1996) حتى حكومة شريف إسماعيل (2015- حتى اليوم) .

فالتقرير الأول، الذى يقع في 87 صفحة، ويتضمن 133 فقرة، توزَّعت على أربعة فصول وملحق. وينطلق التقرير من إطار عام يؤسس لفلسفة العمل الاقتصادي (اقتصاد السوق وآليات العرض والطلب ورفع الدولة يديها على النشاط الاقتصادي)، ويضع مجموعة من المقولات المغشوشة المطلوب الالتزام بها وتصديقها، من قبيل إدانة ما أسماه تحكم الدولة وتدخلها في الشئون الاقتصادية، وفشل استراتيجية الإحلال محل الواردات، وعدم كفاءة القطاع العام، ومسئوليته عن تدمير القطاع الصناعي وغيرها من المقولات التي يتبناها البنك الدولي وواضعوه تقريره.

ويعترف التقرير بالحرف (أن هذا التقرير قد صُمم لوضع برنامج عمل لتقليص القيود على القطاع الخاص، وتحسين إجراءات العمل للقطاع الرأسمالي الخاص في مصر). مصحوبًا ببرنامج لإقراض البنك الدولي لتصحيح قطاع الأعمال والمشروعات بداية من العام 1993.

وقد ركز هذا التقرير على القطاع الصناعي، ومراجعة القواعد التنظيمية واللائحية المؤثرة على القطاع الرأسمالي الخاص، ويشير التقرير إلى الخبرة المحلية والدولية للدول المصنعة الحديثة، التي تؤكد وفقًا لواضعي التقرير إلى أن المنافسة هي الكفيلة بإحداث التطوير، وتقليل الفاقد وتحسين التكنولوجيا المستخدمة وتحسين عملية تخصيص الموارد.

والحقيقة أن هذا الكلام الوارد فى التقرير يتناقض فى الكثير من جوانبه مع التجربة التاريخية لهذه الدول، سواء كان في الدول الصناعية الكبرى، مثل إنجلترا وألمانيا والولايات المتحدة وغيرها، أو حتى لدى الدول المصنّعة الحديثة في جنوب شرق آسيا والمعروفة بالنمور الأسيوية.

ومن يراجع الكتاب المهم والخطير الذي أعده الكاتب ها جون تشانج Ha –Joon Chang في عام 2003 بعنوان "ركل السلم بعيدًا.. استراتيجيات التنمية والتطور قديما وحديثًا"، والذي ترجم إلى اللغة العربية عام 2007، ونشرته مكتبة الشروق الدولية، وقدم له وزير الصناعة المصري الأسبق د. مصطفى الرفاعي، يكتشف حقيقة الأكاذيب التي ترددها مؤسسات التمويل الدولية والكتاب والمفكرين الغربيين الذين ما فتئوا ينصحوننا باتباع مجموعة من السياسات الليبرالية، ونبذ الحمائية، بينما كانت كل تجارب النمو الرأسمالي التي تحققت في هذه الدول قائمة على سياسات حمائية وتدخلية سافرة.

وكذلك من يراجع الكتاب الدراسة العميقة التي أعدتها مجموعة من خبراء معهد التخطيط القومي بالقاهرة في أواخر التسعينات في طليعتهم الدكتور إبراهيم العيسوي، حول تجربة التنمية في دول جنوب شرق آسيا يكتشف مقدار الدور الكبير والحاسم الذي لعبته الدولة في هذه التجارب.

على أية حال، بينما يشير التقرير المسموم بأن البطالة وعناصر الفشل الاقتصادي في مصر ناتجة عن هيمنة الدولة وسيطرتها على الاقتصاد، ويقدم وصفة لما أسماه سياسات الانطلاق والتنمية، والتي أوصلت مصر بعد ثلاثين عامًا من تطبيقها إلى ما يشبه الخراب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، فإنه يرفق ملحقًا تنفيذيًا مكونًا من 23 صفحة بعنوان مصفوفات الإصلاح التنظيمي Regulatory Reform Matrixes ، يتضمن عشرات التفاصيل بشأن المطلوب من الحكومة المصرية تنفيذه فورًا، رابطًا بين عملية الإقراض اللاحقة بدرجة تنفيذ هذا التعديل الهيكلي الذي تبناه البنك الدولي وأملاه علينا، ومن أبرز تلك الإجراءات المقترحة:

1 - إلغاء نظام القوائم السلبية التي كانت تحظر على القطاع الخاص العمل فيها، سواء في مجال الاستيراد أو في مجال إقامة المشروعات، وأن يقتصر الأمر على الحصول على ترخيص من الهيئة العامة للتصنيع والسلطات المحلية بالمحافظات.

2 - ربط التقرير بين تقليص مطالب وشروط الترخيص لإقامة المشروعات، وبين ضرورة تعديل أسعار الصرف بين العملة الوطنية والعملات الدولية، وكذلك تعديل أسعار الفائدة السائدة في البنوك المصرية، وكذا الرسوم الجمركية.

3 - ضرورة تقليص دور البيروقراطية والجهاز الحكومي وقيودهما على الاستثمار والمستثمرين.

4 - التساهل في تخصيص الأراضي في المجتمعات العمرانية الجديدة، لإقامة المشروعات الصناعية.

5 - ضرورة تخفيض الدعم وصولاً إلى إلغائه تمامًا.

6 - حرية المستثمرين في استيراد المعدات الأرخص والأفضل تكنولوجيا، بما يعني فرض نمط معين لاستخدام التكنولوجيا.

7 - التساهل في شروط تأسيس الشركات.

8 - إعادة النظر في القوانين والتشريعات التي تتعامل مع قضايا المستثمرين، بما في ذلك القوانين العمالية.

9 - التخلص من الإجراءات الحمائية للصناعات المحلية.

10 - التوسع في نظام منح الحوافز والمزايا الضريبية والجمركية للمستثمرين.

لقد انتهى الأمر بعد الاتفاق بين الحكومة المصرية وصندوق النقد والبنك الدوليين عام 1991، إلى مبادلة نصف ديون مصر الأجنبية (25 مليار دولار) بتسليم مصر كلها تسليم مفتاح، وإعادة تفكيكها وتركيبها على هوى الولايات المتحدة والغرب الأوربي، بما يناسب الطبقة الجديدة لرجال المال والأعمال، وجماعات المصالح الجدد .

إعلان