إعلان

قانون على الطريقة المصرية!

قانون على الطريقة المصرية!

محمد شعير
09:00 م الخميس 02 نوفمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يقول علماء اللغة والنقد الأدبي الحديث إن أي نص هو تفاعل لنصوص سابقة عليه، ويسمى هذا التفاعل أو التداخل "تناص".. وهو يختلف قطعًا عن "التلاص" أي سرقة نص كامل بعد إجراء تعديلات بسيطة عليه، وهو ما وقع فيه "مجمع اللغة العربية" بإصداره قانون حماية اللغة العربية المأخوذ نصًا من القانون الذي وضعه مجمع اللغة الأردني العام الماضي. أما التغييرات البسيطة التي أدخلها المجمع المصري فهي تغليظ العقوبات. إذ لا ينص القانون الأردني أو يشير من قريب أو بعيد إلى عقوبة السجن، ولكن من باب التجويد المصري أجاز القانون عقوبة الحبس. أي أن المجمع ينطبق عليه المثل العربي القديم "أحشفا وسوء كيلة؟".. والحشف هو التمر السيئ الذي لا يؤكل لسوئه، وحدث أن رجلا ذهب لشراء تمر، فأعطاه حَشَفًا، وأساءَ له في الكَيْل، فقال له: أحشفًا وسوءَ كيلة؟!

ليس "التلاص" وحده، والبصمة المصرية التي أضافها جهابذة اللغة إلى القانون هي الأزمة، بل "سلطوية" أعضاء المجمع الذين يتصورون أنهم "حراس اللغة" وحدهم وبالتالي يجوز لهم التغول على أدوار مؤسسات أخرى. 

اليافطات واللافتات ينبغي أن تكون باللغة العربية الفصحى، فعلا. ولكن هذه التفاصيل تدخل في نطاق المحليات لا المجمع، ومسألة اللغة التي يكتب بها الصحفيون أو يتحدث بها المذيعون وضيوفهم، هي أمر يدخل في إطار تنظيم المهنة، وهي مهمة نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للإعلام. 

لن أتحدث عن "لا دستورية" كثير من مواد القانون، فهو أمر تحكم فيه الجهات المختصة، يعنيني كيف "يحنط" أعضاء المجمع اللغة بإضفاء قدسية زائفة عليها.

اللغة العربية ليست مقدسة، ولا أي لغة أخرى لها قداسة، اللغة أشبه بكائن حي يتطور، لغة امرؤ القيس ليست هي لغة صلاح عبد الصبور، ولغة المتنبي ليست لغة أمل دنقل، ولغة نجيب محفوظ في أعماله الأولى ليست هي نفس اللغة التي استخدمها في أعماله الأخيرة، وبالتالي تطور اللغة يأتي من انتهاكها لا من إضفاء القدسية عليها. المفارقة أن كلمة "قانون" ليست عربية بل يونانية، وتم تعريبها. وهو أمر حدث في كل اللغات تقريبا، اللغة الإنجليزية التي يتحدث بها الإنجليز ليست هي اللغة التي كان يكتب بها شكسبير. والمفارقة أن أبناء المستعمرات القديمة هم من ساهموا في تطوير اللغة، ومن بينهم أسماء مصرية مثل الروائية أهداف سويف عبر رواياتها المتميزة!

كما أن أسماء مثل فؤاد حداد، وصلاح جاهين، وعبد الرحمن الأبنودي، وسيد حجاب، ساهموا في تطوير اللغة، وتبسيطها، ولو كانوا بيننا الآن لكان مصيرهم السجن حسب القانون الجديد!

لا يقرأ أعضاء المجمع المصري التاريخ، هم خارج نطاق الزمن، وكنت قد كتبت هذه الحكاية التي حكاها الروائي بهاء طاهر من قبل، وأعيدها هنا لعل التكرار يعلم أعضاء المجمع.

حكى بهاء أن سيد قطب كان قريبًا من محمد نجيب فنصحه بمنع إذاعة الأغاني في الإذاعة إلا ما كان بالعربية الفصحى، لأن المطلوب تربية جديدة للشعب تظهر رجولته. ومن واجبات الثورة صيانة الضمائر والأخلاق من التميع والشهوات المريضة، واشترط وقتها ألا تذيع الإذاعة سوى الأغنيات الدينية المكتوبة بالعربية الفصحى، وكان أن استيقظ المستمعون ليجدوا أن الإذاعة لا تذيع سوى أغنيات "ولد الهدى"، و"سلوا قلبي" وحدهما دون أي شيء آخر.

مل المصريون فهجروا إذاعتهم إلى إذاعة الشرق الأدنى، التي أسسها الاستعمار الانجليزي وارتبطت به بقوة، وكان المصريون يستمعون إلى نشرات الأخبار التي تبثها، ولم يعودوا إلى الاستماع إلى أخبار الإذاعة المصرية... غضب عبد الناصر بشدة من القرار، وعقد اجتماعا لمجلس قيادة الثورة لمناقشة الأمر، فألغى القرار الذي ظل العمل به 18 يوما، ولكن المصريين أيضا لم يعودوا يأبهون بالإذاعة المصرية، ظلت إذاعة الشرق الأدنى مصدرا لأخبارهم.. وكانت تعليمات عبد الناصر أن تبدأ الإذاعة في تقديم مسلسل جديد في نفس وقت إذاعة نشرة أخبار "الشرق الأدنى".. وكان مسلسل "سمارة" الشهير.

ويبقى سؤال: إذا كانت اللغة العربية- كما يقول المجمعيون والفقهاء- محفوظة لأنها لغة القرآن، وتلك حقيقة.. فلماذا -إذن- نبحث عن قوانين تحفظها من الاندثار؟

إعلان