جنيه قوي أم ضعيف.. أيهما أفضل للاقتصاد المصري؟ خبراء يجيبون
كتب : مصراوي
الجنية المصري
كتب- أحمد الخطيب:
أوضح خبراء اقتصاد تحدث إليهم "مصراوي" أن تراجع سعر الدولار أمام الجنيه المصري يحمل آثارا متباينة على الاقتصاد، إذ يفيد في خفض معدلات التضخم وتكلفة الواردات، لكنه قد يقلل من تنافسية الصادرات ويؤثر جزئيا على جاذبية السياحة.
كان الدولار قد بلغ ذروته في أبريل الماضي عندما تجاوز مستوى 51 جنيها، قبل أن يبدأ مسارا هبوطيا تدريجيا ليستقر حاليا بين 47 و48 جنيها في أغلب البنوك.
آثار متباينة لتحركات سعر الصرف
قال مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث بشركة عربية أون لاين، إن ارتفاع قيمة الجنيه أمام الدولار إلى ما دون مستوى 45 جنيها قد تكون له آثار متباينة على الاقتصاد المصري، مشيرا إلى أن استمرار هذا الاتجاه ليس بالضرورة إيجابيا في كل الجوانب.
وأوضح شفيع أن الصادرات عادة ما تنتعش عندما تكون العملة المحلية أضعف، لأن المنتجات المصرية تصبح أكثر تنافسية في الأسواق الخارجية، بينما يؤدي ارتفاع الجنيه إلى تقليل هذه الميزة.
أظهرت بيانات ميزان المدفوعات الصادرة للبنك المركزي المصري اليوم، ارتفاع عجز الميزان التجاري 29% خلال العام المالي 2024-2025 المنتهي فقي يونيو الماضي إلى 51 مليار دولار مقابل 39.57 مليار دولار بالعام السابق له، في المقابل، الواردات تستفيد من قوة الجنيه، إذ تنخفض تكلفة السلع المستوردة، مما ينعكس إيجابا على معدلات التضخم ويخفف الضغط على الأسعار المحلية.
وأشار شفيع إلى أن المشكلة الأساسية تكمن في أن الواردات ما زالت تفوق الصادرات، وبالتالي فإن تحسن قيمة الجنيه قد يؤدي إلى تراجع في جاذبية بعض القطاعات مثل التصدير العقاري والسياحة، لأن السائح أو المستثمر الأجنبي سيجد أن قدرته الشرائية داخل مصر أصبحت أقل.
وأكد أن هذا الوضع قد ينعكس في النهاية على ميزان المدفوعات، لافتا إلى أن تراجع موارد النقد الأجنبي مثل حصيلة التصدير أو إيرادات السياحة قد يخفف من الفائدة المتوقعة لقوة الجنيه على المدى المتوسط.
تحركات تدريجية ومدروسة
من جانبه، قال الدكتور وائل النحاس الخبير الاقتصادي إن تراجع سعر الدولار إلى مستويات أقل من 45 جنيها لا يمكن النظر إليه بشكل أحادي، فله جوانب إيجابية وأخرى تحتاج إلى إدارة دقيقة.
وأوضح النحاس أن قوة الجنيه تعني تحسنًا في القدرة الشرائية داخل السوق المحلية، خاصة للسلع المستوردة، وهو ما يساعد على تهدئة معدلات التضخم، لكن في الوقت نفسه تتراجع تنافسية الصادرات المصرية، لأن المنتج المحلي يصبح أغلى نسبيا في الأسواق الخارجية.
وأشار إلى أن القطاعات التي تعتمد على التعاملات الخارجية بالدولار، مثل التصدير أو السياحة أو العقارات، قد تشهد انخفاضا في الإقبال في حال استمرار ارتفاع الجنيه، لأن العائد الذي يحصل عليه المستثمر أو السائح الأجنبي سيكون أقل مما كان عليه من قبل.
وأكد النحاس أن الهدف في النهاية هو الوصول إلى توازن في سعر الصرف يحافظ على استقرار الأسعار دون الإضرار بقدرة القطاعات التصديرية على النمو، مشيرا إلى أن تحركات الجنيه أمام الدولار يجب أن تكون تدريجية ومدروسة لضمان تحقيق الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل.
التحسن نعكس إيجاباً على الواردات والتضخم
وفي السياق نفسه، قال محمود نجلة، المدير التنفيذي لأسواق النقد والدخل، في شركة الأهلي للاستثمارات المالية، إن تأثير تغير سعر الصرف يختلف من دولة إلى أخرى حسب تركيبتها الاقتصادية، وهو ما يعرف في الاقتصاد بـ"شرط مارشال" الذي يقيس مدى استفادة الاقتصاد من تحرك العملة.
وأوضح نجلة أن مصر تعتمد في جزء كبير من إيراداتها على السياحة، وبالتالي فإن ارتفاع الدولار أمام الجنيه أي انخفاض قيمة العملة المحلية كان يمنح ميزة تنافسية للقطاع السياحي، لأن البلاد تصبح أرخص مقارنة بدول أخرى، مما يزيد من جاذبيتها للسائح الأجنبي.
وأضاف أنه عندما ينخفض الدولار كما هو الحال حاليا، تقل هذه الجاذبية نسبيا، لكن بالنظر إلى الهيكل الاقتصادي لمصر التي تعد "صافي مستورد"، أي أن وارداتها تفوق صادراتها، فإن تحسن قيمة الجنيه أمام الدولار يصب في مصلحة الاقتصاد المحلي، لأن تكلفة استيراد السلع تنخفض، وهو ما يخفف مباشرة من معدلات التضخم.
وأشار نجلة إلى أن ارتفاع الدولار خلال العامين الماضيين من مستويات العشرينات إلى نحو 50 جنيها كان له وجهان؛ إذ ساعد على تنشيط السياحة والصادرات نسبيا، لكنه في الوقت نفسه رفع تكلفة الواردات وأدى إلى زيادة التضخم بشكل كبير.
وأضاف أن الوضع الحالي الذي يشهد تحسنا للجنيه أمام الدولار يمثل عاملا إيجابيا لميزان التجارة، لأن انخفاض أسعار السلع المستوردة سيؤدي إلى تراجع معدلات التضخم، وهو ما يتماشى مع توجه الدولة في الوقت الراهن لضبط الأسعار وتحقيق استقرار نقدي ومالي.
وأكد نجلة أن ارتفاع الجنيه في المرحلة الحالية يعد الأنسب لمصر، لأن الاقتصاد المحلي يعتمد بدرجة أكبر على الاستيراد، ما يعني أن أي انخفاض في الدولار يساهم في تخفيف الأعباء المعيشية وتقليل تكلفة الإنتاج.
وأضاف أن التأثير السلبي الوحيد قد يكون محدودا على قطاع السياحة، إذ قد تقل جاذبية الأسعار نسبيا، لكنه شدد على أن هذه التأثيرات الطفيفة لا تقارن بالمكاسب التي تتحقق من السيطرة على التضخم وتحسين الوضع الاقتصادي العام.