إعلان

د. حسن خطاب: من يقولون بالمساواة في المواريث لم يفهموا عدالة الإسلام (حوار)

01:29 م الإثنين 03 ديسمبر 2018

الدكتور حسن خطاب

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

حوار - محمد قادوس:

- أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة المنوفية: فلسفة الميراث في الإسلام فريضة من الله

ـ القول بمساواة المرأة بالرجل في الميراث زعمٌ كاذب وقولٌ باطل

ـ ليس هناك أفضلية في علم الفرائض الإسلامي للجنس أو النوع

في الآونة الأخيرة؛ ثار جدل دائر في عدة دول إسلامية حول المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، حتى إن دولة تونس أصدرت قانونًا أقر بذلك، وظهور دعوات من بعض الإعلاميين ونواب البرلمان وأحد الشيوخ لدراسة وتطبيق نظام المساواة في مصر، دفعت الأزهر والمؤسسات الدينية الرسمية لتوضيح مسألة المواريث في الإسلام، وكشف بطلان تلك الدعوات من الناحية الشرعية، وكيف حققت فلسفة الإسلام العدالة في التوزيع .. وحول هذه القضية وحسماً للجدل الدائر كان لنا هذا الحوار مع الأستاذ الدكتور حسن خطاب، أستاذ الدراسات الإسلامية ورئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة المنوفية ليوضّح لنا فلسفة الميراث بشكل عام في الإسلام، وميراث المرأة بشكل خاص:

ـ بداية.. كيف ترون فلسفة الميراث في الدين الإسلامي؟

يُعدّ نظام الميراث في الإسلام نظامًا مُحكمًا، حيث تكفّل الله سبحانه وتعالى بإقراره في القرآن الكريم، وبيّنه صلى الله عليه وسلم، وفصّله، وفضّله، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم يكل أمر مواريثكم إلى نبي مرسل، ولا إلى مَلِكٍ مُقرب ولكن تولى بيانها فقسمها أبين قسم".. رواه الدار قطني بلفظ "لم يرض "وأبو داود والطبراني يراجع سنن الدار قطني جـ 2 ص 137.

ويختلف نظام الإرث في الإسلام عن سائر النظم الوضعية، بأنه يقوم على أسس وقواعد لا تتغير ولا تتبدل وفقًا للأهواء والرغبات، بالرغم من مرونتها واتساعها لحاجات الناس المتعددة، فتتحقق من خلالها العدالة الاجتماعية بين أبناء المجتمع، وليس أدل على ذلك من قوله تعالى: { لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا}.. [النساء : 7].

ـ هل هناك أفضلية في الميراث للجنس أو النوع؟

لقد جعل الله الميراث حقًّا للرجل والمرأة على حدٍّ سواء، فلا تفضيل للرجال على النساء، أو النساء على الرجال، ما دام قد توافرت أسباب الاستحقاق، من خلال قواعد تكفل العدل بين النوعين، ووفقًا لهذه القواعد تعددت حالات المرأة في الميراث، فتارة ترث بالفرض، وتارة ترث بالتعصيب وتارة ترث بالفرض والرد، وجعل للأقارب من جهة المرأة (الرحم) درجة في الميراث، وفي كل هذه الصور قد تتفوق المرأة في ميراثها على الرجل، وقد تتساوى وقد تقل عنه، وقد تحجبه، بما يدل على أن قضية تحديد نصيب الوارث إنما يكون وفقًا لقواعد لا دخل فيها للجنس أو النوع، إذ لا حاجة للمشرّع من وراء تفضيل الرجال على النساء أو العكس؛ لأنه سبحانه هو الغني الحميد.

ـ لماذا تخرج تلك الدعاوى بين الفينة والأخرى مطالبة بالمساواة في الميراث؟

يثير أعداء الإسلام وخصومه حتى ممن ينتسبون إليه دعاوى كاذبة مفادها أن المرأة المسلمة مظلومة في الميراث؛ لأن ميراثها على النصف من الذكر، زاعمين بهتانًا أن الإسلام ميّز الرجال على النساء، وهذا يعنى احتقار المرأة المسلمة وامتهان كرامتها !!

ونقول إن هذا زعمٌ كاذب وقولٌ باطل؛ لأن الذين يقولون ذلك لم يفهموا كيفية توزيع الميراث في الإسلام، والأسس التي بُنى عليها استحقاق الإرث وتوزيعه، والحكمة التي من أجلها كان في بعض الحالات للذكر مثل حظ الأنثيين.

وما علم أولئك المدعون أن ميراث المرأة ليس محصورًا في هذه الحالة، وإنما هناك حالات أخرى قد تزيد فيها على الرجل أو تتساوى معه، أو تحجبه (تمنعه) من الميراث.

ـ في دراسة لكم ذكرتم أن الإسلام أحرص على المرأة حتى من نفسها .. فما المراد بذلك؟

الإسلام حين قرر أن للمرأة نصف نصيب الرجل في حالات فردية، كان لأجل تحقيق توازن اجتماعيّ، واعتدال اقتصاديّ بين أفراد المجتمع، بصرف النظر عن وصف الذكورة والأنوثة، والخلاصة أن المرأة في الإسلام لم تهمش في الميراث أو غيره من الأمور بدليل أن الإسلام غمر المرأة برحمته وفضّلها وجعلها مرفهة ومنعمة تغنم ولا تغرم، وقد دلت الأدلة الشرعية على أن ميراث الرجال والنساء في الإسلام لا يقوم على تفضيل الرجل على الأنثى، أو انتقاص حق المرأة، وإنما يقوم على أسس وقواعد مبناها تحقيق العدل المطلق بين النوعين، فجعل أساس الاستحقاق بينهما واحدًا وهو القرابة أو الزوجية الصحيحة أو الولاء، سواء كان المستحق ذكرًا أو أنثى.

ـ نرجو منكم إلقاء الضوء على ميراث المرأة في النظم والشرائع غير الإسلامية..

عندما ننظر في الشرائع الأخرى نجد أن الشريعة اليهود تقرر أنه لا ميراث للمرأة مطلقًا سواء كانت أمًّا أو زوجة ما دام للميت ذكور، وهذا يعنى أنه لا ميراث للأم ولا الزوجة، ويرث الزوج زوجته بل هو الوارث الشرعي لها ولا ترث الأم أولادها ذكورًا أو إناثًا، ويعللون ذلك بأن الميراث قاصر على الأسرة، فلا ترث الأم ولا الزوجة حتى لا يخرج المال خارج الأسرة؛ وإذا آل الميراث إلى البنت لعدم وجود أخ لها لم يجز أن تتزوج خارج الأسرة.

أما في القانون الروماني؛ فلا أهلية للمرأة، والميراث يكون في القرابات مع التساوي بين الذكور والإناث ويوزع الميراث على الأصول والفروع والحواشي أي الإخوة والأعمام ويعلل فقهاء الرومان فرض الحجر على النساء بقولهم لطيش عقولهن.

كما أن شريعة حمورابي حرمت الإرث على المرأة والعلة في ذلك انتقال التركة إلى أسرة غير أسرتها، واستثنت من ذلك الابنة العذراء المترهبة لها حق استغلال ما يعادل ثلث أخيها على أن تبقى الرقبة لأخواتها، ويكون الإرث للأولاد الشرعيين وغير الشرعيين إذا اعترف بهم الأب.

ولما قامت الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثاني عشر وأعلنت تحرير الإنسان من العبودية، لم تشمل المرأة، فنص القانون المدني الفرنسي على أن المرأة ليست أهلاً للتعاقد، ونص على أن القاصرين هم: الصبي والمجنون والمرأة، واستمر الأمر كذلك إلى أن عدل نسبيًا عام 1938، وتنص المادة (885) من القانون المدني الفرنسي والمادة (535) من القانون النمساوي بأن من حق المورث أن يوصى بالتركة لمن شاء ويحجب من شاء، وهذا يعنى أنه استعمل الوصية كسلاح في حرمان بعض الورثة أو كلهم ونص في البند (745) من القانون الفرنسي على المساواة في توزيع الإرث بين الرجل والمرأة.

ويقضى القانون المدني الإنجليزي في البند (979) على أن الابن الذكر يحجب جميع الورثة، ويُحرم البنات في حالة وجود الابن الأكبر البكر، وهذا كله يبين مدى التناقض الكبير بين القوانين الحديثة في أوروبا وبين الشعارات الكاذبة التي يرددونها باسم تحرير المرأة ومساواتها بالرجل، ولا يخفى أن الشيوعية قد منعت الإرث منعا باتاً ثم تراجعت وسمحت به في حدود الأثاث المنزلي والحاجات الشخصية التي يتركها المتوفى.

ـ في النهاية.. بم توصون القائلين بأن المساواة هي العدالة المجتمعية في الوقت المعاصر؟

تلك المناداة بالتسوية في الميراث بين الذكر والأنثى ليست من قبيل العدالة وإنما هي الظلم المحقق؛ لأنها تسوية بين غير متساويين، فضلاً عن كونها مخالفة صريحة لنصوص القرآن الكريم والسنة الشريفة التي لا تقبل التأويل والاحتمال.

كما أن تشريع الميراث جزء من التشريع الإسلامي عامة، وليس من صنع البشر، وإنما من وضع رب العالمين، الذي خلق الزوجين الذكر والأنثى، وهو الأعلم بما يصلحهما دينًا ودنيا، فليس من مصلحة في تمييز الرجل على المرأة أو العكس؛ لأنهما خلقه سبحانه، وهو الغني عن الخلق جميعًا والمدبر لشئون خلقه بما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}.. [الملك : 10].

فيديو قد يعجبك: