إعلان

لماذا السُّنة هي المصدر الثاني للتشريع؟

هاني ضوه

لماذا السُّنة هي المصدر الثاني للتشريع؟

03:51 م السبت 24 نوفمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم: هاني ضوه

نائب مستشار مفتي الجمهورية

هجمة كبيرة تتعرض لها سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤخرًا على يد أُناس يدعون إلى ترك السنة بالكلية والاعتماد على القرآن الكريم فقط لأخد التشريع منه، وهي دعوات خطيرة تسعى لهدم السنة النبوية المطهرة وإلغاء ثاني مصادر التشريع في الشريعة الإسلامية.

تلك الهجمة والدعوات ليست جديدة بل دعا إليها البعض قديمًا ومن حين لآخر بدعوى أن القرآن قطعي الثبوت أما السنة فهي ظنية الثبوت، وهو ما يدل على جهل هؤلاء بكيفية جمع السنة والمطهرة والمنهج العلمي الذي اعتمد عليه المحدثين عند تصنيف كتب الحديث.

ولا شك أن القرآن الكريم محفوظ بنص الآيات الشريفة {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}، وكذلك السنة المطهرة فقد سخر الله لها علماء كباراً حفظوها ووضعوا لها موازين هي غاية في الدقة ليتوثقوا بما يصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حديث، وما لا يصح أن ينسب إليه على مدار سنين طويلة، ووضعوا علومًا لذلك كعلم الجرح والتعديل وهو أحد علوم السنة النبوية المشرفة الذي بين مرتبة الرواة وحدد الضعيف أو الوثيق وفق مصطللحات ومفاهيم مخصوصة، تعارف عليها العلماء، فيها من دقة الصياغة وتحديد الدلالة مما له أهمية بالغة في نقد إسناد الحديث الشريف.

كما وضعوا علوم رواية الحديث وعلم قبول الحديث ورده، وعلوم المتن من حيث روايته، وعلوم الحديث من حيث درايته وفهمه، وعلوم الإسناد من حيث مدى دقة اتصال الإسناد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى راوي الحديث.

والقرآن الكريم ذاته قد أرشدنا إلى حجية السنة النبوية المطهرة في التشريع الإسلامي، وأن الأحاديث الشريف الصحيحة إنما هي مُبيِّنة للقرآن وشارحة له، وسماها الله سبحانه وتعالى في كتابه "الحكمة"، وقرن ذكرها بالقرآن الكريم؛ فيقول تعالى: {وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}.. [البقرة: 151]، {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}.. [آل عمران: 164]، {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ}.. [البقرة: 231]، {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ}.. [الأحزاب: 34].

ليس ذلك فحسب بل أمر الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم أن نطيع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما يقول، مثل ما يأمر بطاعة الله تعالى، وذلك في آيات عديدة معلومة ومحفوظة عن ظهر قلب في القرآن.

وقد بيّن الإمام الشافعي نسبة السنة إلى القرآن وحددها في أربع صور فقال رحمه الله تعالى في كتابه "الرسالة" : "السنة إما أن تكون مقررة ومؤكدة حكما جاء في القرآن الكريم، أو مبينة وشارحة له، أو للاستدلال بها على النسخ أو منشئة حكما سكت عنه القرآن".

ومن أوضح وأجل أدلة القرآن على أن السنة حجةُ الله على المؤمنين هذا الأمر الصريح في قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}.. [الحشر: 7]، فهذه الآية نصٌّ في أن الرسول يأمر وينهى، وأن على المؤمنين أن يلتزموا بتكاليفه.

وقد قال العلماء إن السنة النبوية المطهرة كانت تتنزل كما ينزل القرآن الكريم لتبين أحكامًا في مواقف محددة، يقول تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ}، وهو ما قرره الإمام الزركشي في كتابه "البحر المحيط" حيث استدل بحديث يعلى بن أمية المتفق عليه أن رجلًا جَاءَ إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ وهو مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي جُبَّةٍ بَعْدَ مَا تَضَمَّخَ بِطِيبٍ؟ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم سَاعَةً، فَجَاءَهُ الْوَحْيُ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ: «أَيْنَ الَّذِي سَأَلَنِي عَنِ الْعُمْرَةِ آنِفًا؟» فَالْتُمِسَ الرَّجُلُ فَجِيءَ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا، ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ».

وقال الإمام الزركشي: "وهو دليل قطعي على أن السنة كانت تنزل كما ينزل القرآن".

وقد نفت الآية الخامسة والستون من سورة النساء الإيمان عن كل من لا يعمل بحديث رسول الله وسنته وما جاء فيها من أحكام شرعية لأن الأمر يقتضي الوجوب، وقد أمرنا بطاعة الرسول، فما علينا إلا أن نعمل بكل ما ورد إلينا عنه عليه الصلاة والسلام من سنة صحيحة، يقول تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.

ومن هنا أكد علماء الأمة أن السنة النبوية المطهرة هي المصدر الثاني للتشريع، وأن إنكار حجية السنة النبوية المطهرة وأنها المصدر الثاني من مصادر التشريع يعد بمثابة قدح في هوية الإسلام وتكذيب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه يتصل برفض أحقيته صلى الله عليه وآله وسلم في التبليغ عن الله تعالى، مما يقتضي إنكار رسالته بأبي هو وأمي صلى الله عليه وآله وسلم.

إعلان