إعلان

 حادث الدرب الأحمر.. الخائن أقام الدليل على نفسه!

حادث الدرب الأحمر.. الخائن أقام الدليل على نفسه!

08:37 م الثلاثاء 19 فبراير 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم د. محمود الهواري

حين انفجرت قنبلة هذا البائس في وجوه رجال الشرطة الأمناء خلف الجامع الأزهر، مساء أمس، لم تُزهقْ نفس هذا المعتدي فقط، وإنما أُزهقت أرواح غيره من الأبرياء، وفجَّرت فعلتُه الشنيعة في نفوسنا كثيرا من المشاعر، التي لا ينبغي أن تغيب عنا أبدا، وفجرت في ضمائرنا مسئوليات وأمانات كثيرا ما تضيع.

ولو كنتُ عيسى عليه السلام لأحييت هذا البائس وسألته: أتدري ما منطقة الأزهر؟ وماذا يطيف بالأزهر من مكتبات ودور علمية تشهد لحضارة وطن، وبراعة مواطن؟

هذا المعهد العريق الذي تطوف فيه وحوله أرواح العلماء والصالحين، ويأوي إلى بنيانه، وما حول بنيانه طلاب العلم، وقاصديه حتى أشبه كعبة الله في مصر؟

ماذا يضيرك من معهد علمي يحمل في لبناته تاريخ الأمة؟

ماذا يضيرك من معهد علمي يتخرج فيه الآلاف من طلاب العلم من أبناء الأرض كلها؟

أم أن الجهل الكاره للعلم وأهله هو الذي أعماك، ودفعك إلى فعلتك؟

ماذا ترى حوله غير مكتبات تبث العلم في أرواح طلابه من بقاع الأرض شتى؟

ألا ترى جموع الوافدين إلى بلادنا من طلاب علم وطلاب نزهة وقد خشعت نفوسهم وهم في رحاب هذه البقاع الطيبة بما يعلمونه من واجب حضاري، وأثر تاريخي، وكأنهم يتنفسون عبير الأزمنة الفائتة التي ما تزال أنفاس العلماء والحكام والمدارس فيها؟

لو كنتُ عيسى عليه السلام لأيقظته من رقدته غير الهانئة دون شك، ولسألته:

هل أكلت لقمة من طعام مصر؟ وهل تدرك أن لهذه اللقمة حرمة؟

وأنا أشك أن هذا البائس قد أحسَّ بشيء من هذا؛ فأهل مصر الطيبون يقدرون لقمة العيش، حتى إنها لتكون دافعا قويا للتصالح النفسي والمجتمعي والعفو والتسامح في خصومات قد تستوجب شديد العقاب!

هل تنزهت أيها البائس بين ربوع مصر؟

أوتدري أيها البائس، ما مصر تلك التي تجري بدراجتك بين جنباتها آمنا مطمئنا تتنزه؟

هل سعد قلبك وانتشى لما فيها من مآثر حضارية وتاريخية؟

أتدري في أي بلد تفسد؟

إنها مصر التي جعلها الله عز وجل أمنا وأمانا، وملاذا وحماية لكل من قصدها.

إن هذه النفس الآثمة بما ارتكبته من فعلة يتوارى منها الأثيم خجلا وحياء لتفصح عن نفسية خربة، عشش فيها بوم الجهل، والخيانة.

ولست أعرف أي نفع حققه هذا الخائن بفعلته الشنيعة، وأي أجرٍ ذلك الذي استحق أن يضحي بنفسه مقابل قتل الناس وترويع من بقي حيًّا، وإشاعة الفوضى!

لقد أعلن بهذه الجريمة عن غباوة متأصلة، وحقد دفين، ومناهج كارهة.

وسيأتي يوم تنصب فيه الموازين، ويحاسب كل إنسان بما قدمت يداه، وسيسأل هذا المعتدي، ما ذنب رجال الشرطة الشرفاء من أمثال هؤلاء الأمناء الذين لا ذنب لهم فيما سكن عقلك الجامد واستقر في قلبك الفاسد إلا أنهم يسهرون لأداء عملهم، وأداء أمانتهم؟!

وما ذنب الناس الذين يحملون همّ لقمة العيش، يخرجون إلى دروب الدنيا غادين رائحين، يحلمون بساعة يرجعون فيها إلى بيوتهم بما تحمله أيديهم من رزق الله مما يَسُرُّ أولادهم؟

ما ذنب تلك المرأة التي عادت إلى بيتها وأولادها بعد تعب يوم طويل، تحمل لهم من فضل الله تعالى ما ترقص قلوبهم به فرحا وسعادة على قلَّته، إنها مثال للمصري الطيب الذي تتجسد فيها أعلى وأرقى معاني الطبيعة المصرية.

لكن الغادر لم يترك للأطفال طعاما في يد أمهم، بل لم يترك أمهم نفسها لتحيا بين بنيها، فضلا عما تركه لأبنائها من مشاعر اليتم والحرمان والألم.

لقد اغتالتها يد الجهل والحقد والبغض والمكر.

ولقد أقام هذا البائس دليلا قاطعا على نفسه وعلى من شابهه سلوكا وفكرا، أنهم أعداء الأوطان، بل أعداء الإنسان، وأعداء العلم، وأعداء الحضارة.

ولذا فإن كتاب ربنا أحق ما ينبغي أن يتبع، وقد أمر ربنا سبحانه بأن نعامل هؤلاء بما يستحقون من عقوبة تناسب جرائمهم، قال تعالى: "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ".

فمن سوّلت له نفسه شيئا من تخريب أو تخويف أو ترويع فلا أحق من كتاب ربنا نتبعه، وهو خير الفاصلين، وستبقى مصر إن شاء الله بتاريخها شاهدا على هؤلاء الخونة، وسيبقى أهلها أمانا لكل خائف.

حفظ الله مصرنا من كل مكروه وسوء.

إعلان