إعلان

بوتين والسعي إلى فرض عظمة روسيا بأي ثمن

04:32 م الجمعة 07 أكتوبر 2022

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

موسكو- (أ ف ب):

بالنسبة لفلاديمير بوتين، يشكل ترسيخ عظمة روسيا في النظام العالمي هاجسا قد يكون هجومه لإخضاع أوكرانيا ذروته بعد أكثر من ربع قرن من الجهود.

لكن بعد هجوم روسي عسكري على أوكرانيا مستمر منذ سبعة أشهر وبالتزامن مع عيد ميلاده السبعين الجمعة، أصبحت روسيا معزولة إلى حد كبير وجيشها منهك. أما هو، فيهدد باستخدام كل ما يملكه، أي السلاح النووي.

كم يبدو العام 2000 بعيدًا، عندما وصل الرجل البالغ من العمر حينذاك 47 عاما، بجبهته العريضة ونظرته الثاقبة، إلى الكرملين خلفا لبوريس يلتسين الخاسر، بوعد بصداقة وتعاون مع الغرب.

حينذاك حيا الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن "قائدا مميزا"، تربطه صداقة مع الألماني غيرهارد شرودر والإيطالي سيلفيو برلوسكوني، على الرغم من قمع وسائل الإعلام ومن الانتهاكات في الشيشان.

بعد عقدين، رأى جو بايدن، خامس رئيس أمريكي في عهد بوتين، فيه "قاتلا" حتى قبل الهجوم على أوكرانيا، بينما تتراكم العقوبات والخلافات.

في المقابل، بقيت شعبيته في روسيا كبيرة إذ يعترف مواطنوه بتحقيقه ازدهارا نسبيا لهم وبعودة موسكو إلى نادي القوى العظمى.

"كارثة جيوسياسية"

فرض بوتين سلطة عمودية يغذيها الفساد حسب معارضيه، معتمدا على مساعدين أثرياء مثل الأخوين روتنبرغ أو رجل الأعمال الغامض يفغيني بريغوجين منظم جنود مجموعة فاغنر الذين يعملون في جميع أنحاء العالم لترسيخ النفوذ الروسي.

ويسمح استفتاء نُظم في أوج جائحة كوفيد-19 له بالبقاء في الكرملين حتى 2036 أي حتى بلوغه الرابعة والثمانين من العمر، بينما يتم القضاء على المعارضة مثلما انتهى الأمر بالمعارض الرئيسي له أليكسي نافالني في السجن بعد تعرضه للتسمم.

يرى بوتين على غرار عدد كبير من الروس من جيله، أن زوال الاتحاد السوفياتي ودائرة نفوذه ما زال إهانة يجب محوها. كان حينذاك ضابطا في جهاز الاستخبارات السوفياتي (كي جي بي) في ألمانيا الشرقية وعاش الهزيمة بشكل مباشر.

أصبح الفقر الشديد واقعا في روسيا، في تناقض واضح مع أجواء الانتصار في الغرب. بعد سنوات، أكد بوتين أنه أُجبر، مثل العديد من مواطنيه، على العمل على سيارة أجرة بشكل غير قانوني.

وهذا ما أقنعه بأن نهاية الاتحاد السوفيتي كانت "أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين" وما غذى أيضا رغبته في الانتقام من حلف شمال الأطلسي (ناتو) والاتحاد الأوروبي الذي يتوسع باتجاه دول الكتلة السوفياتية السابقة.

واقتناعا منه بأن الغرب يسعى إلى إتباع روسيا له، أصبحت مهمته وقف ذلك وأصبحت أوكرانيا الخط الأحمر. وبالنسبة لبوتين، شكلت الثورة المؤيدة للغرب في كييف في 2014 القشة التي قصمت ظهر البعير، واعتبر أنها انقلاب قام به متطرفون مناهضون لروسيا برعاية واشنطن.

وسط ذهول الغرب، ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية ثم أشعل فتيل الصراع الانفصالي في دونباس. ثم في 24 فبراير 2022 وبحجة حدوث إبادة جماعية في هذه المنطقة الناطقة بالروسية، أدخل دباباته إلى البلد الجار.

في 2015، لخص الرجل المولود لعائلة من لينينغراد من الطبقة العاملة وحائز حزاما أسود في الجودو، فلسفته قائلا "إذا كان القتال حتميًا فعليك أن تضرب أولاً".

وقالت تاتيانا ستانوفايا التي تترأس مركز التحليل السياسي "آر.بوليتيك" إن بوتين "يعتقد أنه (...) إذا خسر هذه الحرب في أوكرانيا أو من أجل أوكرانيا، فلن تعود الدولة الروسية موجودة قريبًا".

كان يتوقع أن تحقق العملية نجاحًا باهرًا وذلك بفضل جيش حديث وقيادة عززتها نجاحاته الحربية في سوريا بعد 22 عامًا من حكم بوتين.

لكن موسكو التي يستشري فيها الفساد والتي فوجئت بتصميم الأوكرانيين، اضطرت للتراجع عن كييف في الربيع. وكانت كلفة غزو الشرق والجنوب كبيرة من ناحية العديد والذخيرة، بينما تتلقى كييف مساعدات عسكرية غربية.

جاء الخريف مرادفا لانسحابات متتالية. بدا الفشل واضحًا عندما أصدر فلاديمير بوتين قرارًا في 21 سبتمبر بتعبئة مئات الآلاف من جنود الاحتياط، أي مدنيون، وهو الذي طرح نفسه طوال عقدين كضامن لروسيا مستقرة وسلمية.

اقتصاديا، أصبح البلد الذي يخضع لعقوبات معزولا عن قطاع المال الدولي والتقنيات المتقدمة.

دبلوماسيا، العزلة واضحة. فلم يدع بوتين لحضور جنازة ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، مثل الكوري الشمالي كيم جونغ أون والسوري بشار الأسد.

"نهاية سيئة"

يهرب عشرات الآلاف إن لم يكن مئات الآلاف من الروس من التعبئة والقمع.

في الغرب، يتحدث البعض عن "جنوح" هذا الرئيس عندما أمضى عامين معزولًا إلى حد كبير عن العالم لحمايته من كوفيد.

وقبل أيام قليلة من بدء الهجوم على أوكرانيا، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قلقًا بشأن "بوتين أكثر تصلبا وأكثر عزلة دخل في نوع من الجنوح الأيديولوجي والأمني".

لم يعد بوتين الرجل الذي يمارس ركوب الخيل عاري الصدر في التايغا أو يغوص في بحيرة بايكال في حوض استحمام، بل شخصًا يجلس على بعد أمتار من ضيوفه على طرف طاولة عملاقة.

على شاشة التلفزيون، يبدو شرسًا ضد الغرب الذي يقول إنه يشهد حالة تدهور أخلاقي وتنهشه الأفكار الليبرالية وتحركات مجتمع الميم-عين. وفي نهاية أيلول/سبتمبر، تحدث عن ظهور "عبادة شيطانية نقية وقاسية".

وقال الباحث السياسي الروسي المستقل كونستانتين كالاتشيف إن "ماكرون أو (أولاف) شولتس يختاران كلماتهما، لكن فلاديمير فلاديميروفيتش لا. يقول ما يفكر به ويفعل ما يريد". وأضاف "لديه حرية كاملة ولم يعد هناك شيء يمنعه" من ذلك.

وبالقناعة نفسها يكرر أن أوكرانيا ليست أمة وأن استقلالها منعطف سيئ في التاريخ. بهذا المنطق، أعلن في 30 سبتمبر ضم أربع مناطق أوكرانية إضافية وإن واجه جيشه انتكاسات هناك.

وقد هتف أمام حشد في الساحة الحمراء "النصر سيكون لنا".

وقالت المحللة تاتيانا ستانوفايا "إنه يعتقد فعلا أنه موحِّد الأراضي الروسية. من وجهة نظري، يمكن أن ينتهي الأمر بشكل سيء".

لذلك، في الحديث عن ضربة نووية، قال بوتين بنفسه إن "الأمر ليس خدعة".

هذا المحتوى من

AFP

فيديو قد يعجبك: