إعلان

كيف نهبت دولة الاحتلال أراضي الفلسطينيين؟

07:42 م الأحد 02 فبراير 2020

نكبة 48

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث


كتبت – إيمان محمود

كشفت وثائق إسرائيلية نشرتها صحيفة "هآرتس"، عن فترة "الحُكم العسكري الإسرائيلي" على الفلسطينيين الناجين من التهجير والمعروفين بفلسطينيي الداخل من نكبة 1948 حتى عام 1966، مشيرة إلى أن ذلك كان من السبل التي استطاعت إسرائيل سلب أراضي الفلسطينيين من خلالها.

ضمن هذه الوثائق التاريخية الجديدة التي رفع الحظر عن نشرها، الملحق السري في تقرير أعدته لجنة "راتنر" الإسرائيلية لشؤون الحكم العسكري عام 1956.
الحُكم العسكري الإسرائيلي، استمر منذ إعلان دولة الاحتلال عام 1948 وحتى عام 1966، إذ قسم الاحتلال المناطق التي كانت تحت أيديهم في ذلك الوقت إلى ثلاث مناطق؛ كل منطقة لها حاكم عسكري يتميز بصلاحيات واسعة كان بوسعه وفق قانون الطوارئ تنفيذ إقامة جبرية وأحكام إدارية ونفي وتفجير منازل ومصادرة أملاك ومنع التجمعات وتقييد الحركة والتنقل وإغلاق مناطق وفرض منع التجول.

وكشفت "هآرتس" الإسرائيلية في مقال نشرته في يوليو الماضي، أن مؤسسة الدفاع التابعة للاحتلال الإسرائيلي عمدت إلى إخفاء الوثائق التاريخية في مُختلف أماكن جمع المحفوظات في البلاد.
ولاحظ المقال، الذي تابع دراسة أجراها معهد أكفوت لأبحاث الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أنه لمدة ما يقرب من 20 عامًا، كان العاملون في جهاز "مالماب" وهي إدارة الأمن السرية التابعة لوزارة الدفاع، يزورون دور المحفوظات العامة والخاصة، ويجبرون مديريها على إخفاء وثائق خاصة بالتاريخ الإسرائيلي، مع التركيز بشكل خاص على الصراع العربي الإسرائيلي، وهو ما تم ذلك دون سلطة قانونية.
وأثار المقال غضبًا، إذ حثّ العشرات من الباحثين والمؤرخين وزير الدفاع آنذاك، بنيامين نتنياهو، على وقف النشاط السري غير القانوني. لكن لم يلقَ نداءهم أي رد، بحسب الصحيفة.
وبالنسبة إلى نوعية المستندات التي أمر جهاز "مالماب" بإخفائها في خزائن الأرشيفات الخاصة بهم، -بحسب الصحيفة- فهي تشمل أمثلة عديدة ومتنوعة؛ كشهادات العرب في إسرائيل حول نهب وتدمير القرى العربية خلال حرب 48، وتعليقات وزراء الحكومة على وضع اللاجئين العرب، في أعقاب تلك الحرب، ودليل على أعمال التهجير والشهادات حول المخيمات التي أقيمت للأسرى، ومعلومات حول مشروع إسرائيل النووي، والوثائق المُتعلقة بمختلف قضايا السياسة الخارجية؛ وحتى رسالة أرسلها الشاعر وأحد الناجين من المحرقة أبا كوفنر حول مشاعره المعادية للعرب.

"التسوية الأمنية"

إحدى هذه الوثائق عبارة عن رمز سري لتقرير أعدته لجنة راتنر التي شكّلتها الحكومة الإسرائيلية في أوائل عام 1956، وهي الوثيقة، التي تم الكشف عنها بعد أن كانت مخفية في مكان آمن في مركز ياد يعاري للبحوث والتوثيق في جفعات حفيفا، تحمل عنوان "التسوية الأمنية وقضية الأرض".

يمكن رؤية أهمية المعلومات المُدرجة في الكوديسيل في سياق تاريخ احتلال فلسطين عام 1948، كان هناك حوالي 156 ألف عربي في إسرائيل خلال العام ذاته، في أعقاب اتفاقية الهدنة مع الأردن أبريل 1949، وضم المثلث 27 قرية فلسطينية، والذي عُرف زمن الانتداب البريطاني بمُثلّث المُدن الكُبرى جنين ونابلس وطولكرم.
إداريًا، تم تقسيم الأراضي المُحتلة إلى ثلاث مناطق: الشمال، الوسط (المثلث)، والنقب، وكان 60 في المئة من عرب 48 يعيشون في الجليل، و20 في المئة في المثلث، والباقي في النقب ومدن مختلفة مختلطة؛ مثل حيفا وعكا.

كان حوالي 85 في المئة من الفلسطينيين يعيشون في المناطق المُحتلة، التي تخضع لحظر التجوال الليلي واللوائح التي تتطلب منهم الحصول على تصريح سفر قبل مغادرة منطقة إقامتهم.
واستند الاحتلال وقتذاك إلى نظام (الطوارئ)، الذي أصدره الانتداب البريطاني عام 1945، ونفذته إسرائيل لتسهيل الإشراف على حركة واستيطان مواطنيها العرب، ومنع عودتهم إلى المناطق التي استولت عليها العصابات اليهودية في حرب 48.

وقتذاك تشكلت الحكومة العسكرية للاحتلال، وبررت لليهود الهدف من كونها عسكرية، بأن تكون رادع لـ"الأعمال العدائية ضد الدولة الحديثة من قِبل العرب".
كانت "الحكومة العسكرية"، موضع انتقادات حادة في ذلك الوقت، خاصة من بعض أعضاء الجالية اليهودية، واعترضت أحزاب مختلفة من كل من اليسار واليمين -أحداوت هافودا، ومابام، والحزب الشيوعي، وحيروت (أحد مكوني الليكود)- وكان لكل منها أسباب خاصة.

وجاءت هذه المعارضة بعدما أوضحت المخابرات الإسرائيلية "الشاباك" في خمسينيات القرن الماضي أن المواطنين العرب في إسرائيل لا يشكّلون تهديدًا أمنيًا عليها.
في فبراير 1956 أقرت اللجنة التي ترأسها اللواء احتياط يوحنان راتنر، وهو مهندس معماري في كلية العلوم التطبيقية، أن هناك ضرورة لمواصلة العمل بالحكم العسكري، وأوصت بعدم تقليصه، و جاءت هذه اللجنة بعدما سبقتها لجنة خاصة شكلها رئيس حكومة إسرائيل الأولى بعد الاحتلال ديفيد بن جوريون، وأوصت عام 1949 بضرورة استمرار الحكم العسكري.
وتوصل الأعضاء الثلاثة في لجنة راتنر إلى نتيجة بالإجماع مفادها أن "الحكومة العسكرية قد تم تخفيضها قدر الإمكان، وليس هناك مكان لمزيد من الخفض." إلى جانب ملاحظة أدلى بها علنًا أحد أعضاء هذه اللجنة، دانييل أوستر (رئيس بلدية القدس حتى عام 1950): "من بين 200 ألف عربي وأقليات أخرى يقيمون الآن في إسرائيل، لم نجد شخصًا مواليًا للدولة".

خطوة سرية

في أوائل الستينيات، عندما تصاعد الضغط لإلغاء الحكومة العسكرية، أوضح بن جوريون أنه لا يزال ضروريًا لـ"منع العرب من القيام بحركة تمرد" وأكد أن وجود الدولة يعتمد على وجود الحكومة العسكرية، دون ذكر معارضة المؤسسة الأمنية "الشاباك" لهذه الحكومة.

وأكدت الوثائق أن الأمن لم يكن هو الأمر الأساسي لدى مؤيدي الحكم العسكري إنما كان هو الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين المتبقية، موضحة أن إسرائيل لهذا الغرض استخدمت البند 125 في أنظمة الطوارئ الذي يتيح للضباط العسكريين إغلاق كل منطقة أو مكان بأمر عسكري.

وفي اجتماع مُغلق في عام 1962، صرح بن جوريون أنه بدون المادة 125 "لما كنا قادرين على فعل ما فعلناه" في النقب والجليل. وحذّر قائلاً "الجليل الشمالي هو جودنرين (خالي من اليهود)، سنجد أنفسنا في هذا الوضع لسنوات عديدة إذا لم نمنع عن طريق المادة 125، بالقوة الإدارية والعسكرية الدخول إلى المناطق المحظور".
وتوضح الوثائق أن هذه المصلحة الوطنية الإسرائيلية تم السكوت عليها ولم يتم التحدث بها كثيرا لأسباب مفهومة، لكن الملحق العسكري الخاص بلجنة راتنر يلقي الضوء هنا على التسويغات الحقيقية لدى قادة دولة الاحتلال وقتها.

كما تكشف الوثائق أن لجنة راتنر كانت تعتقد أن الجيش الإسرائيلي وحده لا يستطيع الحفاظ على أراضي دولة الاحتلال التي يمكن صيانتها فقط من خلال "استيطان أمني"، وتوضح أن هذه كانت الخلفية لبناء نقاط استيطانية يهودية في ثلاث مناطق تابعة لـ"الحكومة العسكري".

وأكدت لجنة راتنر أن منع لاجئي الداخل من العودة لمناطقهم في القرى المُحتلة في النكبة وحيازتهم أراضيهم مجددًا، تم بواسطة الحُكم العسكري الذي أغلق ديارهم كمناطق عسكرية مُغلقة، لأنه لم تكن هناك بعد أداة قانونية تسمح بحرمانهم من عودتهم لديارهم وأراضيهم.

اعترض وزير الأمن بنحاس لافون على تقسيم الجليل إلى 46 منطقة مُغلقة يحتاج المتنقل بينها لتصريح الحاكم العسكري، لكن لجنة رتنر رفضت توصياته بدعوى أن تقليص عدد هذه المناطق لثلاث أو أربع مناطق فقط كما رغب بنحاس، سيجعل حركة العرب حرة أكثر مما يلزم، وأن ذلك سبق وساعد العرب على السيطرة على "أراضي الدولة".
تؤكد الوثائق أن لجنة راتنر مارست ما يتعدى صلاحياتها بعد تشكيلها في عام 1955، ويشمل ملحق تقريرها السري توصيات تفصيلية لتغيير قوانين ملكية الاراضي خاصة القانون العثماني من 1858، والذي نصّ على أن أي شخص عربيًا كان أو يهوديًا موجود على أرضه طيلة عشر سنوات يستحق ملكيتها للأبد.

صورة 1

وكما يتضح من الوثائق فإن المهمة الأساسية للحكومة العسكرية وقتذاك، هي أن تكون "وسيلة لسيطرة الحكومة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية حتى يسكنها اليهود وتصبح ملكهم".
وبعد 8 سنوات من إعلان دولة الاحتلال، كانت اللجنة قلقة من أنه في غضون عامين، سيتم فقد الكثير من الأراضي ونقلها إلى العرب، لذا؛ أوصت بإلغاء الإطار الزمني فيما يتعلق بالبقاء على هذه الأراضي.

ووصفت اللجنة "الحكومة العسكرية" بأنها أداة في الكفاح ضد "المُتسللين" العرب، وأضافت أنه بدون "الحكومة العسكرية، هناك الكثير من المناطق يمكن أن تضيع من أيدي الدولة". داعية إلى زيادة قبضتها وعدم التراخي أمام الانتقادات الموجهة إليها.

وأثارت توصيات لجنة راتنر انتقادات عامة وحكومية كبيرة، ومنع بن جوريون، الذي تلقى نسخة من التقرير في فبراير 1956، مناقشته لعدة أشهر بسبب خلافات داخل الحكومة، لكن العدوان الثلاثي على مصر، الذي شاركت فيه إسرائيل إلى جانب في أكتوبر 1956 إلى جانب فرنسا وبريطانيا، يعني أنه بقي خارج أجندة الحكومة لفترة طويلة.
وفي نهاية المطاف، لم يتم تقديم التقرير إلى الحكومة للموافقة عليه، لكنه مع ذلك كان بمثابة أساسًا للسياسة الإسرائيلية في السنوات التالية ففي عام 1958، اقترحت لجنة أخرى، برئاسة بنحاس روزن، إجراء تغييرات بعيدة المدى في الحكومة العسكرية، تقترح إلغاءها بالكامل.

وحول سبب استمرار إسرائيل في إخفاء تقرير كُتب قبل أكثر من ستة عقود، فقد يكمن التفسير –بحسب الصحيفة- في جلسة لمجلس الوزراء في يوليو 1959، إذ صرح وزير التعليم زلمان أران أن "بعض توصيات اللجنة سياسية وليس لها علاقة بالأمن"، وأضاف: "يجب فعل الشيء، دون الكشف عنه، مثل تهويد الجليل على سبيل المثال".
ولاحقا شرعت إسرائيل في مطلع سبعينيات القرن الماضي بتهويد الجليل تحت مسمى "تطوير الجليل". وهذا ما أدى لنشوب هبة يوم الأرض عام 1976.
اعترف يحيئيل حوريف رئيس لجنة "المالماب" الأمنية السرية بأن الدولة تسعى لتصعيب مهام المؤرخين، وقال في حديث لصحيفة "هآرتس" إن "الدولة عندما تفرض حجبا على الوثائق التاريخية فإن النشر سيبقى ضعيفا، وحتى عندما يكتب أحدهم إن الحصان أسود فلا يمكن إثبات أنه أسود حتى يخرج من الحظيرة".

فيديو قد يعجبك: