إعلان

التاريخ السياسي لسياسات التجويع والقانون الدولي الإنساني

د.غادة موسى

التاريخ السياسي لسياسات التجويع والقانون الدولي الإنساني

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:00 م السبت 16 أغسطس 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تابعنا على

قد يعتقد البعض أن ما يرونه على شاشات التلفاز من أطفال ونساء ورجال جوعى من أهلنا في غزة هو سياسة حديثة أو أداة ضغط جديدة تستخدمها سلطة الاحتلال الإسرائيلي للضغط على الفلسطينيين من أجل ترك أراضيهم.

حيث تعتبر سياسات التجويع من الممارسات التي استخدمتها سلطات الاحتلال المختلفة عبر التاريخ من أجل إذلال وإخضاع الشعوب المحتلة وكسر إرادة المقاومة بداخلهم وإضعافهم وتقليبهم على حركات المقاومة في بلادهم.

فقد فرض الرومان من ١٤٩-١٤٦ قبل الميلاد خلال الحرب البونيقية الثالثة حصاراً على قرطاجنة لإخضاع أهلها، الأمر الذي تسبب في انتشار المجاعة. كما شهد منتصف القرن التاسع عشر مجاعة أيرلندا الكبرى بسبب السياسات الحكومية البريطانية التي لم تقدم المساعدات الكافية للمزارعين الأيرلنديين، مما أدى إلى انتشار آفة البطاطس وفساد كل المحصول.

أما في بداية القرن العشرين فقد عرفت أوكرانيا مجاعة "الهولودومور". وتعتبر تلك المجاعة من أبرز الأمثلة على سياسات التجويع المتعمدة التي مارسها "ستالين" على القرى الأوكرانية لمعاقبة الفلاحين الذين قاوموا سياسات التجميع الزراعي، مما تسبب في وفاة الملايين. وقد استمرت سياسات التجويع المتعمدة أثناء الحرب العالمية الثانية من خلال حصار ألمانيا النازية لـ"لينينجراد" في محاولة لإبادة سكانها دون قتال، مما أسفر عن وفاة ١.٥ مليون شخص جوعاً.

أما في نهاية القرن العشرين فقد عرف العالم مجاعة كوريا الشمالية خلال الفترة من ١٩٩٤-١٩٩٨. وعلى الرغم من أن المجاعة كانت لأسباب وظروف طبيعية، إلا أنها تفاقمت بسبب عدم سماح حكومة كوريا الشمالية بدخول المساعدات الإنسانية، مما أدى إلى وفاة مئات الآلاف.

إن استخدام سياسة التجويع كسلاح حرب هو جريمة بموجب القانون الدولي الإنساني. كما أن مبدأ حظر استخدام التجويع في النزاعات المسلحة محمي بموجب عدة اتفاقيات وقرارات دولية. لقد أصبح التجويع جريمة محظورة وفقاً لاتفاقية جنيف والبروتوكولات الإضافية لعام ١٩٧٧ التي تمنع استهداف المدنيين بحرمانهم من المواد الضرورية للحياة. كما أنها تمنع مهاجمة أو تدمير الأعيان الضرورية لبقاء المدنيين، مثل المحاصيل، والماشية، ومرافق مياه الشرب.

كما صنف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التجويع المتعمد للمدنيين من خلال حرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم كجريمة حرب. وهذا يمنح المحكمة صلاحية مقاضاة الأفراد الذين يرتكبون هذه الجريمة في النزاعات المسلحة الدولية.

كما يحذر القانون الدولي العرفي استخدام التجويع ضد المدنيين في جميع أنواع النزاعات المسلحة، سواء كانت دولية أو غير دولية، وهذا يُعتبر قاعدة راسخة في القانون الدولي.

وفي عام ٢٠١٨، تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار ٢٤١٧، الذي يدين بشكل صريح استخدام التجويع كسلاح حرب. يربط هذا القرار بين النزاعات المسلحة وانعدام الأمن الغذائي، ويطالب جميع الأطراف في النزاع باحترام القانون الدولي الإنساني وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق. كما يشجع الأمين العام للأمم المتحدة على إبلاغ مجلس الأمن عندما يكون هناك خطر حدوث مجاعة بسبب النزاع.

إن كل ما سبق من تاريخ مظلم لسياسات التجويع التي راح ضحيتها ملايين الأفراد، والإطار القانوني الذي طوره المجتمع الدولي في هذا الشأن يثبت بما لا يدع مجالاً للشك تفاصيل انتهاك دولة الاحتلال إسرائيل للقانون الدولي الإنساني وللاتفاقيات الدولية... فماذا نحن فاعلون!

إعلان

إعلان