إعلان

استراتيجية الأمن القومي الأمريكي .. ما الجديد؟ (١)

د.غادة موسى

استراتيجية الأمن القومي الأمريكي .. ما الجديد؟ (١)

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:00 م السبت 13 ديسمبر 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تابعنا على

صدرت منذ عدة أسابيع استراتيجية الأمن القومي الأمريكي في توقيت يبحث فيه العالم عن مخرج لأزماته المتعددة والمتشابكة وفي مقدمتها فقدان هذا العالم للقيم الحاكمة له التي عنونت مرحلة بعد الحرب العالمية الثانية، وتساؤله المرتبك عن المستقبل وما يخبئه لنا من فرص وتحديات.

لقد كان لصدور استراتيجية الأمن القومي الأمريكي صدى ً واسع وكبير في أروقة السياسيين والمثقفين والأكاديميين. فتباينت ردود الأفعال والتعقيبات بين متفهم ومعارض وآخر متسائل. وفي الواقع فإنني أضع نفسي ضمن مجموعة المتسائلين عن أسباب صدور هذه الاستراتيجية بهذا الشكل ودلالاتها.

طرحت الاستراتيجية عددا من التساؤلات والمحاور حول ما الذي تريده الولايات المتحدة .. وما الذي تريده الولايات المتحدة من العالم وكيف تحصل على ذلك؟ وماهية المبادئ والأولويات والأقاليم الجغرافية التي تستهدفها الاستراتيجية.

إن ما لفت نظري هو أسلوب صياغة الاستراتيجية ب " نحن " تارة و " الرئيس ترامب يريد" تارة أخرى. بحيث قد يشعر القارئ بأننا إزاء استراتيجية الرئيس ترامب للأمن القومي وليس أمام استراتيجية الولايات المتحدة للأمن القومي.

الملاحظة الثانية هي صياغات مثل " أننا نريد " و"أننا لن نسمح" و" أننا كأكبر قوة عظمي". ولكن في متن الحديث نقرأ أن الولايات المتحدة لا تريد أن تسيطر على العالم، وما يعنيها هو خدمة مصالحها وأنها قد تتدخل في شئون الدول الأخرى فقط لو تم تهديد مصالحها.. ولكن ما هي تلك المصالح؟ هذه المصالح وضعتها الاستراتيجية في شكل مطالب الولايات المتحدة والتي تنم جميعها على توجه نحو الهيمنة بدون تحمل أية تكلفة من جانب وإقرار السلام المستند إلى القوة من جانب آخر. وهو ما يشير إلى تناقض في خطاب تلك الاستراتيجية.

حيث تشير الاستراتيجية إلى رغبة الولايات المتحدة في الحفاظ على سيادتها وحدودها ومقدراتها الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية مع إحداث تفوق في كافة تلك المجالات لتقود العالم، وذلك من خلال سياسية خارجية تركز على المجال الغربي وضمان حريته وأمنه وثقته بنفسه وفي حضارته (ولم توضح هل يقتصر الامر على المملكة المتحدة أم تمتد إلى دول المجموعة الأوروبية كافة). بالإضافة لمنع تفرد دولة بعينها – وبصفة خاصة في الشرق الأوسط والهندي الباسيفيكي - بالسيطرة. كما لابد وأن تقود الولايات المتحدة الأمريكية العالم نقديا ً ومالياً وأن يكون لها السيادة على أسواق رأس المال.

وتركز الاستراتيجية علي قطاع التكنولوجيا وعلى الذكاء الاصطناعي والمعادن النادرة والابتكارات في قيادة قطاعات الصناعات المدنية والعسكرية الأمريكية.

ومما يلفت الانتباه أن الاستراتيجية وضعت بعض المبادئ التي يجب الاسترشاد بها لتحقيق المطالب السابقة بحيث تتبع الولايات المتحدة مساراً لا يجعلها دولة مثالية أو دولية براجماتيه وأن تتجنب وضع الصقور أو الحمائم! ومن بين هذه المبادئ التركيز على مفهوم الأمن القومي والمصلحة القومية بحيث تتضمن السلام المبني على القوة والردع، وعدم التدخل في شئون الدول الأخرى ما لم تهدد المصالح الأمريكية (وهنا تستخدم الاستراتيجية مبدأ الحقوق الطبيعية التي أقرها الله لجميع الدول، علي الرغم من إنكار ورفض جميع المفكرين السياسيين لفكرة الحقوق الطبيعية). كما أشارت الاستراتيجية إلى مبدأ الواقعية المرنة التي تقدم المصالح على فرض نظام حكم بعينة (وهو الأمر الذي أشار له المفكر السياسي حون رولز بوجوب التعامل مع جميع الدول حتى وإن اختلفت نظمها السياسية). وتضمنت المبادئ أيضا مبدأ احترام سيادة الدول وأهمية الحفاظ على الدولة القومية كالنموذج الوحيد والحديث القادر على تحقيق الاستقرار العالمي. كما شملت تلك المبادئ توازن القوة وأولوية العامل الأمريكي حتى وإن توافرت الجدارة في عامل غير أمريكي..

إن القراءة الأولية لوثيقة الاستراتيجية تعطي انطباعاً بوجود تناقضات عديدة بين المطالب وآليات تحقيقها وفي وضعها لمبادئ قد تكرس المزيد من الهيمنة الامريكية في كافة المجالات والقطاعات. كما يعطي أسلوب صياغة الاستراتيجية انطباعاً بوجود ارتباك في فهم مفرداتها مثل مبادئ السيادة وعدم التدخل في شئون الدول ومبدأ الحفاظ على المصالح الأمريكية.

في الجزء الثاني سنناقش المبادئ الأخرى التي تبنتها الاستراتيجية وانعكاسها على كيفية التعامل مع الأقاليم الجغرافية الأخرى.

إعلان

إعلان