إعلان

 الزلزال الإنساني

النائب أسامة شرشر

الزلزال الإنساني

أسامة شرشر
09:22 م السبت 18 فبراير 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


هناك فرق بين الزلزال الإنساني الذي يحدث بأمر السماء والطبيعة، والزلزال السياسي الذي يحدث بأمر الحكام من البشر، ولكن أن يعاقب الشعب السوري من خلال الزلزال السياسي فهذه هى الجريمة الإنسانية الكبرى التي لا تعادلها أى جرائم في الحياة.

فكفانا كلامًا وشعارات رنانة تزعم حماية الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات، فما حدث في الشمال السورى عرّى وفضح كل هذه الشعارات الأمريكية والأوروبية؛ لأنهم عاقبوا الشعب فوق الأرض وتحت الأرض، وهذه إشارة من السماء للعرب والمسلمين أن يتوحدوا.

وبدا المشهد وكأننا نرى بعض أهوال يوم القيامة التى وصفها الله- عز وجل- في القرآن الكريم بقوله (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا* وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا).

وهذا الزلزال الإنساني هز الأرض في شمال سوريا وتركيا، وكانت صرخات الضحايا تنبعث من تحت الركام، وتقول للعالم: أنقذونا، ولكن للأسف الشديد الذين يدعون الإنسانية وحقوق الإنسان وهرولوا إلى أوكرانيا ليمدوها بكل ما تشتهي الأنفس من مال وسلاح ودعم إنساني احتوى ملايين اللاجئين الأوكرانيين، لم يحركوا ساكنًا.

فللأسف الشديد الإنسان في سوريا الشقيقة الحبيبة التى تعتبر البوابة الشرقية للأمن القومى العربي، ليس له قيمة، وذهبت صرخات الشهداء الضحايا في مهب الريح، وحتى أبسط القواعد الإنسانية في عمليات الإنقاذ لم تتوفر بالنسبة للشعب السوري الذي لم يجد للأسف الشديد من يحنو عليه، فالمستشفيات تفتقر إلى الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية ومن المستلزمات الطبية ومن الأطباء نتيجة العقوبات التي تنفذها أمريكا على سوريا؛ تحت شماعة رفضهم نظام بشار الأسد، وهم الذين زرعوا الفتنة والدكتاتورية في كل أنحاء العالم العربي، ليس في سوريا وحدها، ولكن في بغداد الحزينة التي مزقوها وفرّغوها من جيشها وشعبها وحولوها إلى طوائف سنيةوشيعية وكردية، وهكذا الحال في سوريا الشقيقة التي استطاع الجيش الوطني السوري أن يحافظ على البقية الباقية من وحدة الأراضي السورية، وحاول أن يساهم في عملية الإنقاذ رغم الحصار والعقوبات.

فكان المشهد المأساوي الذي رأيناه في سوريا يجعل الحجر، وحتى الزلزال الذي ضربها يتكلم (أنقذوا هؤلاء الأبرياء الذين لا ذنب لهم إذا كنتم تدعون الإنسانية وحقوق الإنسان، وحتى الحيوان لا تستطيعون أن تفعلوا معه هذا!).

وعلى الجانب التركي، فنحن نواسي الشعب التركي المسلم العظيم، الذي يحتفظ مع الشعب المصري بخصوصية رائعة، فالزلزال ضرب 10 محافظات في تركيا، بدرجة 7.7 ريختر، ومع هذا الانقلاب الجيولوجي من باطن الأرض، تساءل البعض: هل هو غضب السماء، أم هو بلاء واحتساب لهذا الشعب التركي العظيم، الذي سقط منه عشرات الآلاف من الشهداء تحت الأنقاض، وتشرد أكثر من 23 مليون مواطن تركي بلا مأوى؟!.

فلقد هب المجتمع الدولي وأكثر من 67 دولة، تدعم بفرق الإنقاذ والمستلزمات الطبية والغذائية، وكان الاتصال من الرئيس السيسي بنظيره التركى أهم اتصال حدث في هذه الأزمة؛ لأنه في الشدائد يُمتحن الحكام والشعوب، وكذلك كانت مصر، رغم ظروفها الاقتصادية الصعبة، من أوليات الدول في العالم التي قام رئيسها بالاتصال بالرئيس بشار الأسد وإنشاء جسر جوي إلى سوريا، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، من أبناء الشعبين السوري والتركي، وتبع ذلك فرق من الأطباء هم أول من وصلوا إلى المستشفيات السورية بالمستلزمات الطبية، فانعكس هذا على المواطن السوري العظيم، الذي لم يصدق هذا؛ لأن مصر غابت لفترات طويلة عن سوريا.

ويجب أن تكون هذه المحنة منحة من السماء للشعب السوري، وأن تقوم مصر بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا الشقيقة من أجل شعبها العظيم الذي تحمل على مدار 11 عامًا ما لا يتحمله بشر، وجاء الزلزال ليكمل على البقية الباقية من هذا الشعب العظيم.

وبعيدًا عن المعارضة والموالاة والنظام، فالشعب هو الباقي، ويجب أن تكون الجامعة العربية من خلال دولها سباقة لإعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية إليها، وأن تعود سوريا إلى الحضن العربي بعد أن تركناها أسيرة للإيرانيين، الذين وقفوا بجانبها عندما غاب العرب.

فلذلك جاء هذا الزلزال ليهز العالم العربي أمام الصمت الدولي للمدعين أمثال أمريكا وأوروبا الذين لم يحركوا ساكنًا أو يرسلوا فرق إنقاذ أو مساعدات إنسانية رغم دعوات الأمم المتحدة بعدم تسييس هذا المشهد المأساوي الذي لا يتكرر إلا كل 100 عام.

وكذلك نخرج من هذه المحنة بدرس مهم وهو ضرورة أن تتحالف الدول العربية مصر والسعودية والإمارات والجزائر لإمداد سوريا بكل احتياجاتها من مواد إغاثة ومستلزمات وأطباء وأدوية بعيدًا عن الخوف من العقوبات الأمريكية، فأي عقوبات بعد موت البشر؟!

فما فعلته الدول العربية الغنية في الأزمة السورية لا يتماشى مع هول هذ الحدث والزلزال الذي هزّ الحجر قبل الإنسان، فكنت أعتقد أن مليارات الدولارات من دول الخليج ستذهب إلى سوريا، ولكن للأسف الشديد المعونات والدعم لم تصل إلى دولة عربية وشعب مسلم عانى ويعاني منذ 11 عامًا ولا يتمتع بالحد الأدنى من الكرامة الإنسانية في حقوقه الطبيعية.

هل نستفيق؟ لأن غضب السماء وغضب الطبيعة لا يفرق بين هذا وذاك.

هل نستعيد دور العرب ومصر في دعم الشعب السوري للخروج من هذا الزلزال الإنساني والمأزق اللا إنساني؟ فبعد 11 عامًا عانت فيها بلاد الشام من تقسيمها على يد الأمريكان إلى مناطق، يجب أن تتوحد الأراضي السورية وأن يكون الدعم العربي الذي نتوقعه في المرحلة القادمة لا يفرق بين الشمال والجنوب، ولا بين دمشق وحلب وحمص وإدلب وحماة وكل المناطق السورية العظيمة، فلقد دفع المواطن السوري وملايين اللاجئين ثمن هذا البُعد العربي.

ارحموا من في الأرض
يرحمكم من في السماء.

إعلان