إعلان

قراءة لأفلام مثيرة للجدل في تطوان لسينما البحر المتوسط الــ٢٧

د. أمــل الجمل

قراءة لأفلام مثيرة للجدل في تطوان لسينما البحر المتوسط الــ٢٧

د. أمل الجمل
12:14 م الثلاثاء 28 يونيو 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

العديد من الأشياء الإيجابية طبعت الدورة السابعة والعشرون من مهرجان تطوان لسينما البحر المتوسط الذي امتدت خلال الفترة ١٠-١٧ يونيو، والتي سعدت بمشاركتي فيها كرئيس لجنة تحكيم النقد والتي تمنح جائزة باسم الناقد السينمائي المغربي الراحل مصطفى المسناوي.

بعيداً عن نقص الموارد المالية التي لم تمنع المهرجان من إكمال دورته على أكمل وجه، تميزت البرمجة بالتنوع وارتفاع المستوى الفني والفكري للأفلام، مع الاهتمام الخاص بالأعمال من توقيع النساء والتجارب الأولي في الإخراج والتي يدور أغلبها عن قضايا نساء أيضاً. أما أحد أبرز الأمور التي أكدت عراقة هذ المهرجان، فتمثل في معرض الصور الفوتوغرافية التي وثّقت تاريخ المهرجان، والتي تؤكد حضور أبرز المخرجين والنجوم المصريين والعرب مثل يوسف شاهين، سعد الله ونوس، محمد خان، صلاح أبو سيف، يسري نصرالله، نور الشريف ليلي علوي، توفيق صالح، فريد شوقي، كذلك حضرت نادية لطفي، نبيلة عبيد، كمال الشناوي، وآخرين، من دون أن ننسى تخصيص قاعة سينما إسبانيول بالكامل - من بين ثلاثة قاعات - لعروض الأطفال في مشهدية رائعة يندر أن تتواجد في أي مهرجان عربي آخر، كل هذا يُؤكد أنه أحد أهم وأعرق المهرجانات التي تهتم بسينما البحر الأبيض المتوسط.

لكن هذا لم يمنع الجدل الذي أُثير من حول بعض الأفلام، خصوصاً «صالون هدى» للفلسطيني هاني أبو أسعد، و«أبو صدام» للمصرية نادين خان.

امرأة تبدع فيلما عن الذكورة؟

بدأ الجدل والاختلاف في الرأي بين الحضور والنقاد وصناع الأفلام مع عرض فيلم «أبو صدام» للمخرجة نادين خان، إنتاج ٢٠٢١. البعض أعجبه الفيلم، بينما البعض الآخر رآه عملاً حوارياً تنقصه اللغة السينمائية، مثلما عاب البعض عليه أسلوب التصوير وكثرة اللقطات الخارجية للسيارة النقل - التريلا - التي يقودها البطل. الأهم أن البعض عبَّروا عن دهشتهم من كون المخرجة امرأة لأن الفيلم يتحدث عن «الذكورة»، والحقيقة أن هذه الدهشة تُثير دهشة مُوازية - في تقديري الشخصي - لأنه إذا كانت المرأة هى الضحية الأولي في المجتمع للممارسات الذكورية فكيف يستهجن أو يندهش البعض من قدرتها علي التعبير عن تلك الأفعال والتصرفات، إنها المتلقي الأول لها. ونادين خان عاشت في المجتمع المصري طويلاً وتعرفه وتتعامل مع مختلف طبقاته، فلماذا الاستنكار من أن تنجح في التعبير عن تلك الذكورة؟

الأمر الآخر الذي يتكشف من خلال «أبو صدام»، و«البحر أمامكم»، وكذلك «الغريب» أن هناك تفاصيل في النص التحتي للعمل الفني قد تكون مغرقة في المحلية ولا يتمكن المتلقي الغربي أو الغريب عن هذا المجتمع من فهمها - حتى لو كان من دولة عربية أيضاً - وبالتالي يفقد جزءاً مهماً من معنى الفيلم وقيمته، فتفاصيل مثل بيع مجوهرات - أو «صيغة» - الزوجة في الفيلم المصري لم يفهم كُثر ما وراءها من دلالة، رغم أنها تشي بوضوح بأن هذا الزوج - أبو صدام الذي جسد شخصيته الفنان محمد ممدوح - رغم أنه كان يعيش طوال فترة بطالته من أموال زوجته عندما باع مجوهراتها، لكنه مع ذلك ظل يعاملها معاملة السيد للعبد، وظل يُمارس عليها ذكورته، وشخصيته المعقدة، ويُفرغ فيها ضعفه، بل وكل ما يتلقاه من إهانات ممن هم أعلى قدراً منه، فكان الزوج يُخرج كل ذلك إهانات مضاعفة على زوجته وعلى مساعده الذي يعمل معه على السيارة، كما حاول تكرار ذلك مع شخصية الراقصة التي ذهبت معه بإرادتها واختيارها، لكن عندما شعرت هذه المرأة - الراقصة - بأنها لم تستمتع معه، ورفضت الاستمرار شعر أبو صدام بإهانة ذكورته وفحولته، وقرر اغتصابها، وهو مشهد بليغ ومهم، خصوصاً أن الراقصة لم تستسلم وتركت له علامة على وجهه، وجميع تفاصيل السيناريو والحوار ملغم بتصرفات ذكورية كاشفة لما يحدث في هذا المجتمع.

صراع السنة والشيعة

كذلك، كانت لحظات الصمت، أحياناً، بفيلم «البحر أمامكم» للمخرج البناني إيلي داغر، غير واضحة للبعض، خصوصاً في لقطات الرقص بين جانا - البطلة الرئيسية - وحبيبها الموسيقار، وتساءلوا عن سبب طول مدة الرقصة، من دون أن ينتبهوا للإيماءات الجسدية، أو يُدركوا دلالة نظرة جانا التي تشي بما يعتمل في دواخلها من صراع ومن عدم اقتناع بهذا الشاب الذي عادت إليه، تماماً كما كان البعض يتساءل من دون أن يُدرك من الوهلة الأولى طبيعة تلك العلاقة المعقدة بينهما - والتي رسمها داغر برقة شديدة، غير مباشرة، بل ومتوازية أحياناً. إنها علاقة لم تخلو من كراهية و«شماتة» من قبل الحبيب لأن هذه الفتاة المتمردة التي كانت تنظر إليه ولأصحابه باعتبارهم مجموعة من الفاشلين، فكأن عودتها من باريس بخفي حنين أسعده وأثلج صدره، وما يُؤكد ذلك رفضه لقرار سفرها مرة آخرى، بينما تدافع هى عن قرارها وتُصر على تنفيذه حتى لو كان هذا بقتله

أما فيلم «الغريب» فلم يستطع بعض الأجانب فهم مشهد رئيسي في الأحداث، فعندما أدرك كبار القوم أن هذا الرجل الشهيد - الذي تم إنقاذه من الحدود مع إسرائيل - أنه يمتلك هوية شيعية، هنا قرروا أن يستخدموا هذه الورقة، وأن يقوموا بتنظيم جنازة تليق به ليُؤكدوا أنهم أيضاً مخلصون لوطنهم مثلهم مثل السنة، بينما قبل معرفة هذه المعلومة كانت معاملتهم لذلك الشهيد على النقيض تماماً سواء حياً أو ميتاً، باستثناء بطل الفيلم الغريب نفسه الذي تعامل معه بشكل إنساني جداً. إن عدم فهم البعض لطبيعة العلاقة والصراع بين السنة والشيعة يفقد هذه المشهدية قيمتها بالكامل.

شرط تسلم الجائزة

أما أكبر جدل واختلاف في الرأي فجاء بعد عرض فيلم هاني أبو أسعد «صالون هدى». لم يكن للأمر علاقة بمشاهد إباحية أو لقطات خارجة، لأنه فعليا النسخة المعروضة لا يوجد بها شيء خارج، الاختلاف كان بسبب المحتوى خصوصا المقابلة بين شخصية هدى صاحبة الصالون والتي تخدر البنات والنساء وتصورهم في وضعيات مخلة مع رجل شاب،، ثم تبتزهم كي يتعاونوا مع العدو الإسرائيلي، وبين شخصية قائد المقاومة الذي جسده الفنان علي سليمان.

المشكل الأساسي بالفيلم - في تقديري - أنه يساوي بين شخصية الخائنة والمناضل رجل المقاومة، فبينما تُبرر هى تعاونها مع العدو بأنهم صوروها في وضعية مخلة مع عشيقها، وأنها رضخت خوفاً على فضيحة عائلتها، في المقابل يقدم السيناريو شخصية رجل المقاومة على أنه فعل ذلك لأنه يعاني من عقدة الذنب، فقد ألصق تهمة ما بصديق طفولته وتسبب في أن قوات الاحتلال قتلته، لذلك فإن عمله الحالي ليس إلا تكفير أو تطهر، كما أن الحوار بين الشخصيتين ملغم بالتفاصيل، وأخطر شيء هو لقطة الوداع بينهما، إذ تمد هدى يدها وتسلم عليه وكأنهما متعادلان ومتساويان ومتعاونان، فهل حقاً تتساوى الخيانة والوطنية؟!

البعض قد يقول أن رسم شخصية رجل المقاومة بتلك التفاصيل تمنحه مزيداً من الإنسانية ولا تتعامل معه على أنه بطل مما يُعلي من مصداقيته، لكن السؤال، وأين الالتزام من القضية الفلسطينية، وهل في ظل كل ما تفعله قوات الاحتلال ضد المواطن الفلسطيني فهل يكون هذا هو الوقت المناسب لمناقشة مثل هذه القنابل الموقوتة التي بالطبع سيصفق لها الغرب لأن المخرج قدم لهم ما يريدون على طبق من فضة. ربما هذا يُفسر الاحتفاء المبالغ به من قبل الصحافة الغربية التي وصفت مخرجه بأنه هيتشكوك!

المفاجأة أن الفيلم نال جائزة لجنة التحكيم بمسابقة الفيلم الطويل في تطوان، ونظراً لغياب مخرجه، ولحضور المخرجة الفلسطينية خديجة الحباشنة - التي كانت تشارك في ندوة التراث السينمائي علي هامش المهرجان التطواني - فطُلب منها تسلم الجائزة نيابة عن المخرج، لكنها اشترطت أن تعبر عن عدم رضاها عن الفيلم، مشيرة إلي الموقف الرافض للفيلم والمندد به من قبل رابطة الفنانين الفلسطينين وشرائح عدة من المجتمع الفلسطيني، من دون أن تغفل التعبير عن تقديرها لتاريخ هاني أبو أسعد، لكن المدهش أن رئيس المهرجان الناقد السينمائي أحمد الحسني لم يعترض على اقتراحها وأخبرها أن تقول ما تريده.

إعلان