إعلان

معضلة الأخلاق ومستقبل الثقافة (١)

د. غادة موسى

معضلة الأخلاق ومستقبل الثقافة (١)

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:37 م السبت 25 يونيو 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

د. غادة موسى

عادة ما يجري التعامل مع موضوع الأخلاق بمعزل عن موضوع الثقافة وبمعزل عن موضوع الجمال. وهو شأن كل الموضوعات والعلوم التي جرى تفكيكها حتى بات كل موضوع كجزيرة منعزلة ونائية عن الموضوعات والجزر الأخرى. والسبب من وجهة نظري هو عدم الاهتمام بالفلسفة التي هي أم العلوم. وقد أبدو وكأنني أغرّد في اتجاه آخر٬ ولكنني أزعم أن هذه هي الحقيقة. فالفلسفة التي هي حب الحكمة والرغبة في الوصول إلى حكمة وجود الأشياء أملاً في معرفة الحقيقة تدلنا على أن العلوم والموضوعات في ترابط شديد. وكثيراً- كباحث وكأستاذ جامعي- أتساءل عن حكمة تفكيك العلوم بهذا الشكل العجيب. وكم طالبت بإعادة النظر في إمكانية ربط العلوم ببعضها البعض٬ خاصة في الجامعات الحكومية. وسبب هذا المطلب هو محاولة التغلب على مشكلات الحياة التي تواجه المجتمعات التي تجد نفسها بين شِقّي رُحى الحداثة والتقليدية والمعاصرة والأصالة. وهذه الحالة مرت وتمر بها كافة المجتمعات البشرية وكافة الدول في الغرب والشرق على حد سواء. فحتى في المجتمعات والدول الغربية هناك حوار ونقاش حول الأصالة والمعاصرة وحول الأخلاق والثقافة والجمال والفن. وهو حوار أزلي وسيظل مستمراً لأنه سُنة الحياة٬ ولأن المجتمعات لا تتقدم إلا بمحاولة تجسير الهوة بين كافة الموضوعات.

ومن الصعب إنكار أن مجتمعاتنا في الشرق والغرب لديها مُعضلة أخلاقية وأزمة ثقافية. وفي المجتمعات الشرقية تبدو هذه المشكلة أكثر إلحاحاً نظراً للتقاطع الحضاري ولوجود مكون ديني راسخ فيها. فهي الأراضي التي شهدت الرسالات التوحيدية (اليهودية والمسيحية والإسلام) والتعاليم الأخلاقية (الكونفوشية والبوذية والطاوية) وأيضاً النصوص القانونية الأولى (قانون حمورابي). لقد وجدت هذه المجتمعات نفسها في قلب الصراع الثقافي مع كل ما هو آت من بلاد التقدم العلمي والتكنولوجي وما لديها من إرث ثقافي وديني حضاري. وهو ما انعكس على شعوبها ومواطنيها.

وبإمعان النظر في هذا الإرث نجد الأخلاق هي المكون المشترك والبنية التحتية لكل ما سبق. فالديانات والتعاليم الأخلاقية والقوانين هدفها إسعاد الفرد والحد من معاناته وآلامه في المقام الأول. وهو الأمر الذي أجمع عليه معظم الفلاسفة بدءا من أفلاطون وأرسطو، مرورا بالقديس أوجستن فالنبي عيسى عليه السلام والنبي محمد عليه الصلاة والسلام وانتهاء بالفلاسفة والأدباء والمثقفين المعاصرين كالدكتور طه حسين والدكتور مصطفى محمود.

فحتى يحظى الفرد بقدر من السعادة لابد وأن يحيا في إطار ثقافي مكوناته الأخلاق والجمال. وهو ما تتوق إليه مجتمعاتنا في الوقت الراهن بعد الانغماس الشديد في الأمور المادية والحياتية والتي لم تترك مجالاً للتفكر والتدبر في تداعيات كل ما سبق على الهدف من حياتنا ومبتغى وجودنا.

فلا يستطيع أحد إنكار انهيار قيمتي الأخلاق والجمال في كافة مناحي حياتنا. ومحاولات الزج بالأخلاق والجمال في فلسفة الحرية بأن تفعل ما تشتهيه نفسك بغض النظر عن تداعيات ذلك على من حولك لهو قمة المأساة في فهمنا للحرية والأخلاق معاً..

إعلان