إعلان

الحياة إذ تضيئها شاشات الموبايل ..

د.هشام عطية عبد المقصود

الحياة إذ تضيئها شاشات الموبايل ..

د. هشام عطية عبد المقصود
07:00 م الجمعة 25 فبراير 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ربما يعوزك كثير من خيال حتى تعود إلى زمان بعيد يمتد إلى قرون مضت، لتعرف كيف كان البشر يتواصلون عبر حواجز الجغرافيا وتوقيتات الزمان، ولكن ربما لن تحتاج سوى سؤال الأكبر سنا ليحكوا لك عن عالم عرفوه تماما لم يكن البشر فيه يعرفون الإنترنت وموجات الواى فاى ولا يلتصقون بأجهزة الموبايل يقظة ومناما وما بينهما.

"المسافر حتى يعود" كان تعبيرا عن فكرة الإشتياق والإنتظار لعدم الحضور المادى للمسافرين أو من أبعدته غربة العمل، وقد أنهتها تماما شاشات الحواسيب ثم الموبايلات ببث مستمر وفورى للشخص البعيد صوتا وصورة، ولو كان هناك على الجانب الآخر من الكرة الأرضية عكس وجهة الجغرافيا ومخالفا لاعتياد تبدل دورة الليل والنهار.

غيرت الموبايلات فى تطورها المستمر من طبيعة تفاعل الخلائق والمجتمعات وصنعت حيوات موازية وبديلة، أسموها مجازا وتخفيفا إفتراضية، لكن منظومة الإستخدام والتواجد معها وكما تشير الإحصاءات تقول أنها صارت أكثر إتساعا ورحابة من فضاءات الواقع، الذى أوشك أن يكون هو الهامش والإفتراضى.

عقود قلائل لاتتجاوز أصابع اليد الواحدة من دخول الموبايل غيرت تاريخ البشر بشكل متسارع وصنعت انماط حياة وإيقاعات عيشها، حيث يقضى البشر وقتا متعاظما بفوق أى من ختلف الأنشطة الحياتية مشاهدا للشاشة أو عائشا "أون لاين".

وهكذا وفى العوالم الإتصالية التى صنعتها موجات الهواتف الذكية يتواصل الناس وتنشأ البروفايلات الشخصية المحسنة كوحدة تعريف وتفاعل، فتمنح الفرص لإعادة بناء نموذج الشخصية وفق ما يرغب الفرد – منقطعا من بعض أو كل تاريخه الفعلى- لينسى أو يتجاهل أو يختزل ما يعرفه عنه المتفاعلون معه واقعيا، ثم يمضى الوقت فيصدق وربما يهيم بحضوره الجديد وسط الآف الأصدقاء الجدد الذين اختارهم ليكونوا عائلته "الإليكترونية" الجديدة.

تمنح التفاعلات البشرية عبر شاشات الموبايل المضيئة للفرد أن يحدد سياقات حضوره وغيابه وينتقى الموضوعات والجروبات والشخصيات، يصمت أو يتحدث، يتفاعل أو يشاهد فقط ودون كلفة من الواقع واضطراراته، ولهذا ازدهرت العوالم والحيوات التى تنمو على شاشات الهواتف وبهتت بشكل يزداد عوالم الحياة التى نشأ الخلق عليها بما ارتبط بها من آثار جانبية وتداعى للإغتراب والقلق، الذى صار التكيف معه وإدارته بضاعة رائجة لكتب يعرفها العالم تحت مسمى التنمية البشرية تحدد سبع أو تسع خطوات يمكن أن تتبعها فتعيش سعيدا.

نعم، صار العالم آخرا مختلفا، صنعته الموبايلات وتطبيقات السوشيال ميديا ونموها متشكلا بإضافات تتجدد، ليحدث التحول الأكبر بشريا وكونيا وعبر مختلف الأصقاع والبلاد، وذلك منذ زمان ركب فيه المنادون الخيل والحمير وهم يحملون الرسائل لينقلوها للعامة، وحى استقبلت الجموع الرسائل الواحدة فى توقيت زمنى متقارب وعبر مختلف الوسائل الإعلامية التقليدى منها والجديد.

اتسع مجال المعارف لدى الفرد بما يفوق طاقته وإحاطته فكبر الأطفال فى العمر غصبا وحاول الكبار توقيف الزمان جبرا، وظلت عجلة الشاشات المصيئة تمضى فى طريقها وتربى أجيالها الجديدة على عينها وتصنع إعتمادهم عليها كأب وأم وعائلة وأصدقاء ومؤسسات.

زادت إتاحات الفرد وقلت حريته الحقيقية، فكيف سينفلت من حضور ومحاصرة المعرفة الإضطرارية والإلزامية التى تقابله أين مضتةعيونه على موجات الواى فاى فأصبحت قدرته على العمل وفق ما لايعرف أو يتجاهل منعدمة.

صنع الإنسان بيئته الجديدة - وفق المشيئة ومتسلحا بالأسباب- فغير من حالته البدائية وقاوم التعرض لعدوان وهجوم عواصف ونزلات الطبيعة، وطور أدواته وصنع ما يقيه الحر والبرد والمطر وتوحش الضوارى لكنه عزل نفسه بين أربعة جدران تحميه، ونام تحت ضوء شاشات الموبايل بديلا عن سماء النجوم، ليصبح الموبايل وشاشته هى مصدر التخييلات والعوالم المتنوعة التى تتفتح بضغطة زر ، متاحة دوما مستجيبة ومحققة للرغبات، رفقة ما قبل النوم وبعد اليقظة ووسط الأسرة والأصدقاء، ليكون حتميا ومعروفا فى الحياة بالضرورة.

إعلان