إعلان

جماعة خارجة على السياق !

سليمان جودة

جماعة خارجة على السياق !

سليمان جودة
07:09 م الأحد 11 ديسمبر 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لا تزال ألمانيا تتحدث عن المحاولة الانقلابية التي جرى إحباطها قبل أيام، والتي ستظل محل تساؤلات عميقة على مستوى أوربا كلها، وليس بين الألمان وحدهم.

والسبب أن القارة العجوز كانت تظن أنها صارت بمنأى عن مثل هذه المحاولات، فإذا بها تفاجأ بأن الخطر تحت قدميها، بينما هي تقريباً لا تراه ولا تتحسب له، ولا حتى تتوقعه.

التفاصيل أعلنتها قوات الأمن الالمانية، عندما ألقت في السابع من هذا الشهر القبض على ٢٥ شخصاً ينتمون إلى جماعة تسمي نفسها: جماعة الرايخ !

وتبين أن الجماعة تعتنق أفكاراً يمينية متطرفة، وأنها كانت تخطط لاقتحام مبنى البرلمان الالماني، وأن أعضاءها موزعون بين ساسة، وضباط سابقين، وجنود في الجيش الالماني، وأشخاص ينتمون إلى حزب "البديل من أجل ألمانيا" .. وهو حزب المفروض أنه يمارس عمله في النور، بعد أن نجح في دخول البرلمان في عام ٢٠١٥ ، وبعد أن راح يمارس العمل السياسي العلني لا السري !

ومما قاله جهاز المخابرات الداخلية في ألمانيا بعد ضبط المتهمين، أن الجماعة التي ينتمون إليها كانت تحت المراقبة منذ بدء ربيع هذه السنة، وأنها لا تمثل خطراً داهماً، وأن هذا لا ينفي أنها جماعة خطرة في كل الأحوال، وأن ضبطها وضبط المنتمين إليها كان لا بد منه في النهاية.

ورغم القبض على ٢٥ متهماً، إلا أن الحديث لا يزال يتواصل عن اعتقالات أخرى في الطريق، وعن أن أعضاء الجماعة لا يتواجدون في العاصمة برلين وحدها، ولكنهم متناثرون في شتى الولايات الألمانية، وليس أدل على ذلك إلا أن هؤلاء الذين جرى ضبطهم كانوا موزعين على ١١ ولاية، من بين ١٦ ولاية هي مجمل الولايات التي تتشكل منها الدولة الألمانية !

ما يخيف الألمان من "جماعة الرايخ" ليس أفكارها المتطرفة، فالمتطرفون اليمينيون موجودون في ألمانيا من زمان، وموجودون في أوروبا نفسها بدرجات ونسب متفاوتة، وموجودون في كل بلد بامتداد العالم .. وبالتالي، فالخوف ليس من وجودهم في حد ذاته، ولكن في انتقالهم من اعتناق الفكر اليميني المتطرف، إلى السعي نحو تطبيق أفكارهم بقوة السلاح !

فالجماعة لم تكن تخطط فقط لاقتحام البرلمان الألماني الشهير بالبوندستاج، ولكنها كانت تخطط لتنصيب حكومة موالية لها، وكانت تخطط للانقلاب على حكومة المستشار الألماني الحالي أولاف شولتز، الذي خلف المستشارة أنجيلا ميركيل في دار المستشارية.

وما يخيف أوروبا بعد المانيا، أن أشخاصاً ممن جرى القبض عليهم كانوا موجودين في النمسا وفي إيطاليا .. صحيح أن اعتقالهم جرى بالتنسيق مع السلطات المعنية في البلدين، ولكن الأصح أن مجرد وجودهم خارج ألمانيا مسألة مقلقة لكل أوربي!

وما يخيف المانيا وأوربا معاً، أن عملية الضبط كشفت عن وجود أسلحة لدى أعضاء الجماعة، وأنهم كانوا يتأهبون للانقلاب على الدولة الألمانية وعلى مؤسساتها الشرعية المنتخبة.

هذا هو ما يخيف الألمان والأوربيين على السواء، وهذا ما يجعل من ضبط مثل هذه الجماعة نقطة فاصلة في التاريخ الألماني والأوروبي المعاصر .. فلم يحدث هذا على أرض القارة العجوز من عقود من الزمان .. والأوروبيون يعتقدون أنهم ودعوا الفكر الانقلابي إلى الأبد !

جماعة الرايخ جماعة ليست خارجة على الشرعية فقط، فالقانون سوف يتكفل بعلاج هذا الأمر، ولكنها خارجة على السياق الأوربي العام ذاته !

إعلان